الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ }؛ أي إنَّ الذين انْهزمُوا منكم يا معشرَ المؤمنين يومَ التقَى الْجَمْعَانِ؛ جَمْعُ المسلمينَ وجَمْعُ المشركين، إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ الشيطانُ عن أماكنِهم ببعضِ ما كَسَبُوا؛ وهو مفارقةُ المكانِ الذي أمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بحفظهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ }؛ حينَ لَم يستأصِلْهم. ويقالُ في معنَى هذه الآيةِ: إنَّهم لَم يفرُّوا على جهةِ المعاندَةِ والفرار من الزَّحف، ولكنْ أذْكَرَهُمُ الشيطانُ خطايَاهُم التي كانَتْ منهُم؛ فَكَرِهُواْ لقاءَ اللهِ إلاَّ على حالةٍ يرضَونَها، ولذلك عَفَا اللهُ عنهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }؛ أي متجاوزٌ لذنوبهم لَمْ يُعَجِّلْ بالعقوبةِ عليهم. رويَ: (أنَّ رَجُلاً مِنَ الْخَوَارجِ أتَى عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: أكَانَ شَهِدَ بَدْراً؟ قَالَ: (لاَ)، قَالَ: شَهِدَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ؟، قَالَ: (لاَ)، قَالَ: فَكَانَ مِنَ الَّذِينَ تَوَلَّوا يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ؟ قًَالَ: (نَعَمْ). فَوَلَّى الرَّجُلُ يَهُزُّ فَرَحاً، فَلَمَّا عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ بُغْضَهُ لِعُثْمَانَ قَالَ لَهُ: (ارْجِعْ)؛ فَرَجَعَ، فَقَالَ لَهُ: (أمَّا تَخَلُّفُهُ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَإنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَلَّفَهُ عَلَى ابْنَتِهِ رُقَيَّةُ يَقُومُ عَلَيْهَا، كَانَتْ مَرِيْضَةً فَتُوُفِّيَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فِي الْغَزْوِ، وَعُثْمَانُ رضي الله عنه فِي تَكْفِيْنِ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ وَدَفْنِهَا وَالصَّلاَةِ عَلَيْهَا؛ فَلَمَّا رَجَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ أجْرَهُ كَأَجْرِهِمْ وَسَهْمَهُ كَسَهْمِهِمْ.

وَأَمَّا بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ؛ " فَقَدْ بَايَعَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، وَقَالَ: " هَذِهِ عَنْ عُثْمَانَ " وَيَسَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ يَمِيْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنه " )). وَأمَّا الَّّذِيْنَ تَوَلَّواْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ؛ فَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيْمٌ؛ فَاجْهَدْ عَلَى جَهْدِكَ، فَقَامَ الرَّجُلُ حَزْنَانَ نَاكِساً رَأَسَهُ.