الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله عزّ وَجَلَّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً }؛ نزلتِ الآيةُ في الأنصار؛ كانوا قد ظَاهَرُوا اليهودَ حتى صارَ كأنَّ بينَهم نَسَباً، وكانوا يواصلونَهم ويُعاطِفونَهم حتى كان الرجلُ من الأنصار يتزوَّج فيهم فيختارُهم على قومهِ، فلما جَاءَ اللهُ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والإسلامُ وآمَنَ الأنصارُ بغَضَهُمْ اليهودُ، وكان الأنصارُ يُخالطونَهم ويُشاورونَهم، كما كانوا يفعلونَ قبلَ الإسلام للرِّضاعة والمصاهرةِ التي كانت بينهم، فنهَى اللهُ الأنصارَ بهذه الآيةِ وما بعدَها.

ومعناهَا: لا تتَّخِذُوا دَخَلاً من غيرِكم يعني اليهودَ. وبطَانَةُ الرَّجُلِ: خَاصَّتُهُ وأهلُ سِرِّهِ الذينَ يَسْتَبْطِنُونَ أمْرَهُ، سُمُّوا بذلك على جهةِ التَّشَبُّهِ ببطانةِ الثَّوب التي تَلِي جِلْدَ الإنسان. وحرفُُ { مِنْ } في قوله: { مِّن دُونِكُمْ } لِلتَّبْييْنِ؛ أي لا تتَّخذوا الذينَ هم أسافلُ وأراذلُ بطَانَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } أي لا يُبْقُونَ غايةً، ولا يتركُونَ الجهدَ في إلقائِكم في الفسادِ، يقالُ: مَا ألَوْتُ فِي الْحَاجَةِ جُهْداً؛ أي ما قَصَّرْتُ، ونصبَ { خَبَالاً } على المفعول الثانِي؛ لأنه يتعدَّى إلى مفعولين، وإن شئتَ على المصدر، وإن شئتَ بنَزع الخافضِ؛ أي بالْخَبَالِ. وَالْخَبَالُ: الْفَسَادُ، ومثلهُ الْخَبَلُ أيضاً؛ يقالُ: رَجُلٌ خَبَلُ الرَّأيِ؛ فَاسِدُ الرَّأي؛ والانْخِبَالُ: أي الْجُنُونُ. وقال مجاهدُ: (نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ كَانُوا يُصَافِحُونَ الْمُنَافِقِيْنَ ويُخَالِطُوهُمْ؛ فَنَهَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذلِكَ).

قوله عزّ وَجَلَّ: { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ }؛ أي تَمَنُّوا إثْمَكُمْ وَضُرَّكُمْ وَهَلاَكَكُمْ، والعَنَتُ في اللُّغة: الْمَشَقَّةُ، يقالُ: أكَمَةٌ عَنُوتٌ؛ أي طويلةٌ شاقَّةُ المسلَكِ. وقرأ عبدُالله: (قَدْ بَدَأ الْبَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ) بالتذكير؛ لتقدُّم الفعلِ؛ ولأن معنى الْبَغْضَاءِ: الْبُغْضَ. قوله تعالى: { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ }؛ أي قد ظَهَرَتِ العداوةُ من ألسنَتِهم بالشَّتم والطَّعنِ، { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }؛ أي وما يُضْمِرُونَ في قلوبهم من القتلِ لو ظَفَّرُوا بكم أعْظَمُ مِمَّا أظهرُوا لكم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ }؛ أي أخبرنَاكم بما أخْفَوا وأبْدَوا بالدلالاتِ والعلاَماتِ، { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }؛ الْعَدُوَّ مِنَ الْوَلِيِّ.