الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ }؛ أي ولا تكونُوا كاليهودِ والنصارى الذين اختلفُوا فيما بينَهم وصارُوا فِرَقاً وشِيَعاً، { مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } الكتابُ في أمرِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }؛ على تفرِيقِهم واختلافِهم. قالَ بعضُهم: لاَ تَكُونُوا كالَّذِيْنَ تفرَّقوا واختلفُوا، قال: وهُمُ الْمُبْتَدِعَةُ من هذه الأُمَّة.

ثم بَيَّنَ اللهُ تعالى وقتَ العذاب العظيم الذي يصيبُهم؛ فقالَ تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }؛ معناهُ: { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } وهو يومُ القيامةِ، وانتصبَ على الظَّرف أي فِي يومِ. قرأ يحيى بن وثَّاب: (تِبْيَضُّ) (وَتِسْوَدُّ) بكسرِ التَّاء على لُغة تَميم. وقرأ الزهريُّ (تَبْيَاضُّ) و (تَسْوَادُّ).

ومعنى الآيةِ: تَبْيَضُّ وجوهُ المخلصينَ للهِ بالتوحيدِ؛ أي تُشْرِقُ فتصيرُ كالثَّلج بَيَاضاً والشَّمس ضياءً، وَتَسْوَدُّ وجوهُ الكفَّار والمنافقين من الْحُزْنِ حين يُدْعَوْنَ إلى السُّجودِ فلا يستطيعونَ. وعن ابنِ عبَّاس قال: (مَعْنَاهُ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ أهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أهْلِ الْبدْعَةِ). وقال بعضُهم: البياضُ مِنَ الوجوهِ إشْرَاقُهَا وَاسْتِبْشَارُهَا وسُرُورُهَا بعمَلِها وبثواب الله، وَاسْوِدَادُهَا لِحُزْنِهَا وَكَآبَتِهَا وكُسُوفِهَا بعمَلِهَا وبعقاب ربها.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }؛ جوابهُ محذوفٌ؛ أي يقالُ لَهُم: { أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ } قيلَ: هم قومٌ من أهلِ الكتاب كانوا مصدِّقين بأنبيائِهم مصدِّقينَ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُبعث، فلما بُعِثَ كَفَرُوا به، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }. وقيلَ: هم مَن كفرَ باللهِ يومَ الميثاقِ حين أْخُرِجُواْ من صُلْب آدَمَ عليه السلام. وقيل: هُمُ الخوارجُ وأهلُ البدَعِ كلِّها، وقيل: هم أهْلُ الرَّدَّةِ.