الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ }؛ أي فخَسَفْنَا بقارونَ وقَصْرِهِ الذي بَنَاهُ عقوبةً له على كُفرهِ، وذلك أنَّهُ لَمَّا أضافَ النِّعَمَ التي أعطاهُ اللهُ إياها إلى فعلِ نفسه وعملهِ، ولَم يَنْسِبْهَا بتَسهِيل اللهِ ذلكَ عليهِ؛ صارَ كافراً بنِعَمِ اللهِ.

وَقِيْلَ في سَبَب خسفهِ: أنه لَمَّا حَسَدَ موسى وهارونَ دعَا امرأةً ذاتَ جمالِ معروفةً بالفُجُور، وجعلَ لَها ألفَ دِرهَم - وَقِيْلَ: ألْفَ مِثْقَالٍ - وقالَ لَها: إنِّي أخلِطُكِ بنسائي على أن تَقذِفِي موسَى بنفسكِ غداً إذا حَضَرَ بنُو إسرائيلَ، وتذْكُري أنه راوَدَكِ عن نفسكِ! فأجابَتْ قارونَ إلى ذلك، فلمَّا كان مِن الغَدِ، جَمَعَ قارونُ بني إسرائيلَ، ثُم أتَى مُوسَى فقال لهُ: إنَّ بني إسرائيلَ قد اجتمَعُوا ينظرونَ خُروجَهم لتَأْمُرَهم وتَنْهَاهُمْ.

فخرجَ مُوسَى فقامَ فيهم يَعِظُهُمْ ويأمُرُهُمْ بالمعروفِ وينهاهم عن الْمُنْكَرِ، قالَ: يَا بَنِي إسْرَائِيْلَ؛ مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَاهُ، وَمَنِ افْتَرَى جَلَدْنَاهُ ثَمَانِيْنَ، وَمَنْ زَنَى وَلَيْسَتْ لَهُ امْرَأةٌ جَلَدْنَاهُ مِائَةً، وَمَنْ زَنَى وَلَهُ امْرَأةٌ رَجَمْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ. قال قارونُ: وإنْ كُنْتَ أنْتَ؟! قالَ: وإنْ كُنْتُ أنَا. قال: فإنَّ بني إسرائيلَ يَزعُمُونَ أنَّكَ فَجَرْتَ بفُلانَةٍ! فقال مُوسَى: ادْعُوهَا، فَدَعَوْهَا وقد ألْهَمَها اللهُ التوبةَ والتوفيقَ، فقالت في نفسِها: لإنْ أُحْدِثَ الْيَوْمَ تَوْبَةً خَيْرٌ مِنْ أنْ يُؤْذى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فجَاءوا بها وقد عَقَدوا مَجلِساً استَحْضَرَ فيه قارونُ الخاصَّ والعامَّ، فقال قارونُ للمرأةِ: ما تَقُولِيْنَ؟ قالت: يَا وَيْلاَهُ! قَدْ عَمِلْتُ كُلَّ فَاحِشَةٍ، وما بَقِيَ إلاَّ أنْ أفْتَرِي على نَبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنَا أبْرَأُ إلى اللهِ مِن ذلكَ.

ثُم أخْرَجَتْ خَريطَتين مَملُوءَتين دَرَاهِمَ وعليهما خاتَمُ قارونَ، فقالَتْ: يا أيُّها الْمَلأُ؛ إنَّ قارونَ أعطانِي هَاتَين الخريطتَين على أنْ آتِي جماعتَكم فأَزْعُمَ أنَّ موسى رَاودَنِي عن نفسِي، ومَعَاذ اللهِ أنْ افْتَرِيَ على نبيِّ الله، وأنا أبْرَأُ إلى اللهِ مِن ذلك وهذهِ دراهِمهُ وعليها خاتَمهُ.

فعَرَفَ بنُو إسرائيلَ خاتَم قارونَ، فَافْتُضِحَ قارونُ بين أولئِكَ القومِ، وغَضِبَ مُوسَى عليه السلام فَخَرَّ ساجداً يَبْكِي وهو يقولُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ رسُولَكَ فَاغْضَبْ لِي.

فأوحَى اللهُ إليه أنِّي قد أمَرْتُ الأرضَ تُطِيعُكَ فَمُرْهَا بما شِئْتَ، فقال مُوسَى عليه السلام: يا أرضُ خُذِيْهِ، فأخذتْهُ إلى كَعْبهِ، ثُم قَالَ: يا أرضُ خُذِيهِ، فأخذتهُ إلى رُكبَتيهِ، فَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ، فقالَ: يا أرضُ خُذِيهِ، فأخذتْهُ حتى غَيَّبَتْ حِقْوَتَهُ، فتضرَّعَ إلى مُوسَى وناشدَهُ الرَّحِمَ، فلَمْ يسمَعْ تَضرُّعَهُ، فقالَ: يا أرضُ خُذِيهِ، فأخذْتْهُ حتى غَيَّبَتْهُ.

فرُوي أنهُ استغاثَ بموسَى وناشدَهُ سبعينَ مرَّة، فلَمْ يلتفِتْ موسَى إلى ذلكَ، فأوحَى اللهُ إلى موسى: ما أفَظَّكَ وأغلَظَ قلبَكَ! استغاثَ بكَ قارونُ سبعين مرَّةً فلم ترحَمْهُ ولَم تُغِثْهُ، وعِزَّتِي وجَلالِي لوِ استغاثَ بي لأغثتهُ، ولو دعانِي لوجدَنِي قريباً مُجيباً.

السابقالتالي
2