الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ }؛ أي قالَتْ إحداهُما وهي التي تزوَّجَها موسى: يا أبَتِ اتَّخِذْهُ أجيراً يرعَى لنا غنمَنا، فإنَّ خيرَ منِ استأجرتَ الذي يقوَى على العملِ، ويؤدِّي الأمانةَ.

فقال لَها أبُوهَا: وما عِلْمُكِ بقوَّتهِ وأمانتهِ؟ فقالت: أمَّا قوَّتهُ فإنه لَمَّا رأى أغنامَنا محبوسةً عن الماءِ، قال لنا: هل بقُربكُما بئرٌ؟ قلنا: نَعَمْ؛ لكن عليها صخرةٌ عظيمة لا يرفَعُها إلاّ أربعونَ رجُلاً، قال: انطَلِقا بي إليها، فانطلَقا به إليها، فأخذ الصخرةَ بيدهِ ونَحَّاهَا سَهْلاً من غيرِ كُلْفَةٍ. وأمَّا أمانتهُ فإنه قال لِي في بعضِ الطَّريق: إمْشِ خلفِي، فإنْ أخطأتُ الطريقَ فارْمِ قِبَلِي بحصاةٍ حتى أنْهَجَ نَهْجاً، فإنَّّا قومٌ لا ننظرُ إلى وراءِ النِّساء. ولِهذا المعنى قال عمرُ رضي الله عنه: (لاَ يَصْلُحُ لأُمُور الْمُسْلِمِيْنَ إلاَّ الْقَوِيُّ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَالرَّقِيْقُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ).

قال فلمَّا ذكرَتِ المرأةُ من حالِ موسى ازدادَ أبُوهَا رغبةً فيهِ و { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ }؛ أي على أن تَرْعَى غنَمِي، ويكون فيها أجْراً إلى ثَمان سِنين، { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ }؛ فهو بفَضْلٍ منكَ ليس بواجبٍ عليكَ، { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ }؛ في العشرِ، ولا أكلفَّكَ إلاّ العملَ المشروط، والمرادُ بالحِجَجِ السِّنين. قَوْلُهُ تَعَالَى: { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }؛ مِمن وافَقَ فِعْلَهُ. وَقِيْلَ: ستجدُنِي إن شاءَ اللهُ من الوَافِيْنَ بالعهدِ، الْمُحسِنينَ الصُّحبةَ.

فـ { قَال } مُوسَى لشعيب: { ذَلِكَ }؛ الشرط { بَيْنِي وَبَيْنَكَ }؛ يعني الذي وصفتَ وشَرَطْتَ على ذلك، وما شرطتَ لِي مِن تزويجِ إحداهما عَلَيَّ فلي، والأمر بيننا. وثم السلام. ثُم قال: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ }؛ أيُّ الأجلَين من الثَّمانِ أو العَشْرِ، { قَضَيْتُ }؛ أي أتْمَمْتَ وفَرَغْتَ، { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ }؛ أي لا ظُلْمَ ولا حرجَ ولا كُلفَةَ. قال الفرَّاء: (مَا) صِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ }.

وقولهُ تعالى: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }؛ أي شهيدٌ على ما عَقَدَ بعضُنا على بعضٍ. قال ابنُ عبَّاس: (وَاللهُ شَهِيْدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ).

وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقَالَ: " أوْفَاهُمَا وَأبْطَئُهُمَا " وعن أبي ذرٍّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَإذا سُئِلْتَ عَنْ أيِّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقُلْ: خَيْرُهُمَا أوْ أبَرُّهُمَا، وَإنْ سُئِلْتَ أيُّ الْمَرْأتَيْنِ تَزَوَّجَ؟ فَقُلِ الصُّغْرَى مِنْهُمَا وَالَّتِي جَاءَتْ فَقَالَتْ: يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ".