الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ }؛ الْمَرَاضِعُ جمعُ مُرْضِعَةٍ، وقولهُ تعالى: { مِن قَبْلُ } أي من قبلِ مَجِيء أُمِّهِ، ومعنى: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ } أي مَنَعْنَاهُ، وقد يذكرُ التحريم بمعنى المنعِ، قال الشاعرُ:
جَاءَتْ لِسُرْعَتِي فَقُلْتُ لَهَا اصْبرِي   إنِّي امْرُؤٌ صَرْعِي عَلَيْكِ حَرَامُ
أي مُمْتَنِعٌ.

وذلك أنَّ اللهَ تعالى أرادَ أن يَرُدَّهُ إلى أُمِّهِ، فَمَنَعَهُ من قَبولِ ثَدْي المراضعِ، فلما تَعَذرَ عليهم رضَاعُهُ؛ { فَقَالَتْ }؛ أُخته: { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ }؛ أي يَضْمَنُونَ لكم القيامَ به ورضَاعَهُ، { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }؛ أي يُشفِقُونَ عليه وينصَحُونه، قالوا لَها: مَنْ؟ قَالَت: أُمِّي، قالوا: ولأُمِّكِ لبَنٌ؟ قالت: نَعَمْ؛ لبنُ أخِي هارونَ، وكان هارونَ وُلِدَ في سنَة لا يُقتَلُ فيها صبيٌّ، فقالوا: صَدَقْتِ. فدلَّتْهُم على أُمِّ موسى، فدُفِعَ إليها لتُربيَهُ لَهم.

فلما وَجَدَ الصبيُّ ريْحَ أُمِّهِ قَبلَ ثديَيْها وأتَمَّها اللهُ ما وعدَها وهو قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ }؛ على فِرَاقهِ، { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ }؛ برَدِّ ولدِها إليها، { حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنَّ اللهَ وعدَها برَدِّ ولدِها إليها.