الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً }؛ أي مستقرَّةً لا تَميلُ بأهلِها، بل جعلَها مَسْكَناً يَسِيرُونَ فيها ويصرفون عليها، فلا هي تضطربُ بهم، ولا هي حَزْنَةٌ غليظةٌ مثلَ رُؤوسِ الجبالِ.

وقولهُ تعالى: { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً }؛ أي جَعَلَ وسَطَ الأرضِ أوديةً وعُيوناً من عَذْبٍ وَمَالِحٍ، { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ }؛ أي جَعَلَ على الأرضِ جِبَالاً ثوابتَ وأوديةً أوتاداً لها، { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً }؛ أي بين الْمِلْحِ والعَذْب مانِعاً بلُطفهِ وقدرتهِ فلا يختلطُ أحدُهما بالآخرِ، ولا يبغِي أحدُهما على صاحبهِ، وقولهُ تعالى: { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله }؛ أي مع اللهِ إلهٌ فَعَلَ شيئاً من هذهِ الأشياء، { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَْْ }؛ توحيدَ ربهم وسلطانه وقدرتهِ.

وقولهُ تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ }؛ الْمُضْطَرُّ: الْمَكْرُوبُ الْمَجْهُودُ المدفوعُ إلى ضيقٍ من الأمُور من غَرَقٍ أو مرضٍ أو بلاء أو حبسٍ أو كَرْبٍ إذا دعاهُ، { وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ }؛ فيكشِفُ ضُرَّهُ ويفرجُ عنه فيبعدهُ مِن الغَرَقِ وينجيهِ ويَشفيهِ من المرضِ. ويعافيهِ من البلاء. وقال السديُّ: (الْمُضْطَرُّ الَّذِي لاَ حَوْلَ لَهُ وَلاَ قُوَّةَ)، وقال ذُو النُّونِ: (هُوَ الَّّّذِي قَطَعَ الْعَلاَئِقَ عَمَّا دُونَ اللهِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ }؛ أي يأتِي بقومٍ بعد قومٍ، ويخلقُ قَرْناً بعد قَرْنِ، وكلَّما أهْلَكَ قَرْناً أنشأَ آخَرِينَ، فيكون كلٌّ خلفاءٌ لِمَنْ قبلَهم. وقولهُ تعالى: { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ }؛ أي إلَهٌ سِوَى اللهِ فَعَلَ ذلكَ، { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }؛ أي قَلِيلاً ما تتَّعِظُونَ.