الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ }؛ يعرفُ بعَمْرٍو، والجِنِّيُّ والعفريتُ في كلِّ شيءٍ: الْمُبَالِغُ الْحَاذِقُ، يقالُ: رَجُلٌ عِفْرٌ وَعِفْرِيْتٌ وعِفْرِيَةٌ، بمعنى واحدٍ، والجمعُ عَفَاريتُ وَعَفَارَى، وَقِيْلَ: العفريتُ من الجِنِّ الْمَاردُ القويُّ الغليظ الشديدُ. وَقِيْلَ: اسمُ العفريتِ الدَّاهِيَةُ.

قِيْلَ: إنَّها سارَتْ إلَى سليمانَ في اثنَي عشرَ ألفَ قِيْل، تحتَ كلِّ قِيْل ألُوفٌ كثيرةٌ، فخرجَ سليمانُ ذات يومٍ وإذا هو يَرَى هَرَجاً قريباً منهُ، فقال: ما هَذا؟ قالوا: بلقيسُ، قال: قد نزلَتْ منَّا بهذا المكانِ. قال ابنُ عبَّاس: (وَهُوَ مَكَانٌ بَيْنَ الْحِيْرَةِ وَالْكُوفَةِ بُعَيْدَ فَرْسَخٍ) فأقبلَ حينئذ سليمانُ على جنودهِ، وقال: { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }؟.

واختلفَ أهلُ العلمِ في السَّبب الذي لأجلهِ أمرَ سليمانُ بإحضار عرشِها، قِيْلَ: أنْ يَحْرُمَ عليه أخذهُ بإسلامِها. وقال قتادةُ: (إنَّهُ أعْجَبَهُ صِفَتُهُ لَمَّا وَصَفَهُ لَهُ الْهُدْهُدُ، فَأَحَبَّ أنْ يَرَاهُ)، وقال ابنُ زيدٍ: (أرَادَ أنْ يَخْتَبرَ عَقْلَهَا بتَنْكِيْرِ عَرْشِهَا وَلِيَنْظُرَ هَلْ تَعْرِفُهُ إذا رَأتْهُ أوْ تُنْكِرُهُ)، وَقِيْلَ: لِيُرِيَها قدرةَ اللهِ وعِلْمَ سُلْطانهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ }؛ أي من مجلسِ قضَائِكَ، وكان سليمانُ يجلسُ للقضاء من الغَدَاةِ إلى انتصافِ النَّهار، وقال مقاتلُ: (قَالَ الْعِفْريْتُ: أنَا أضَعُ قَدَمِي عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِي، فَلَيْسَ شَيْءٌ أسْرَعُ مِنِّي) { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }؛ أي قَوِيٌّ على حملهِ، أمينٌ على ما فيهِ مِن الذهب والجواهرِ. فقال سليمانُ: أريدُ أسرعَ مِن ذلكَ.