الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }؛ استثناءُ الشُّعراء المسلمينَ حَسَّانُ بْنُ ثَابتٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الذين مَدَحُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقُولُ لِحَسَّان: [أُهْجُهُمْ وَمَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ }؛ يعني أنَّهم كانوا يذكُرون اللهَ كثيراً في أشْعَارِهم، ويناضِلون عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بألسِنَتهم وأيدِيهم من بَعْدِ هجائِهم الكفارَ. والانتصارُ بالشِّعر جائزٌ في الشَّريعة بما يجوزُ ذِكْرُهُ فيها، لِمَا قالَ تعالى في آيةٍ أُخرىلاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [النساء: 148].

ويُروَى: " أنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا تَقُولُ فِي الشِّعْرِ، فَقَالَ: " إنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ؛ لَكَأَنَّمَا يَنْضَحُونَهُمْ بالنَّبْلِ " " وقال صلى الله عليه وسلم " إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةٌ ".

وقالت عائشةُ: (الشِّعْرُ كَلاَمٌ، فَمِنْهُ حَسَنٌ وَمِنْهُ قَبيْحٌ، فَخُذُواْ الْحَسَنَ وَدَعُواْ الْقَبيْحَ). وعن الشعبيِّ قال: (كَانَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ عَلِيٌّ أشْعَرَ الثَّلاَثَةِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } لَم يَشْغَلْهُمُ الشِّعْرُ عن ذِكْرِ اللهِ، ولَم يجعَلُوا الشِّعْرَ هَمَّهُمْ، وانتَصَرُوا من بعد ما ظلموا أي انتصروا من المشركين لأنهم بدأوا بالهجاء.

ثُم أوعدَ شعراءَ المشركين فقال: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }؛ أي سَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ أشْرَكُواْ وَهَجَوُا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنينَ أيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ، قال ابنُ عبَّاس: (إلَى جَهَنَّمَ يَخْلُدُونَ فِيْهَا). والمعنى: سيعلَمُون إلى أينَ مصيرُهم وهو نارُ جهنَّمَ، فعلى هذا يكونُ قولهُ { أَيَّ مُنقَلَبٍ } منصُوباً بدلاً من المصدرِ، ولا يجوزُ أن يكون منصوباً بقولهِ (سَيَعْلَمُ) لأن { أَيَّ } لا يعملُ فيه ما قَبْلَهُ؛ لأنه مِن حروفِ الاستفهامِ، وموضعُ حروف الاستفهامِ صدرُ الكلامِ، فكان انتصابُ قولهِ { أَيَّ مُنقَلَبٍ } على معنى المصدرِ، أو بقولهِ { يَنقَلِبُونَ }.

وعن أبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: " مَنْ قَرَأ سُورَةَ الشُّعَرَاءِ، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، بعَدَدِ مَنْ صَدَّقَ بنُوحٍ وَكَذبَ بهِ، وَهُودٍ وَشُعَيْبٍ وَصَالِحٍ وَإبْرَاهِيْمَ وَلُوطٍ وَاسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَمُوسَى وَعِيْسَى، وَبعَدَدِ مَنْ صَدَّقَ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ".