الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ }؛ نزلت في عُقْبَةَ بْنِ أبي مُعِيْطٍ كان إذا أرادَ أن يُؤْمِنَ فقالَ لهُ أُبَيُّ بنُ خَلَفٍ وكان صَديقاً لهُ: صَبَأْتَ يَا عُقْبَةُ! لَئِنْ آمَنْتَ لَمْ أُكَلِّمْكَ أبَداً، فامتنعَ عن الإيْمانِ حتى قُتِلَ يومَ بدرٍ كافراً، وقَتَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ يومَ أُحُدٍ.

وَقِيْلَ: " إنَّ عُقْبَةَ بنَ أبي مُعِيْطٍ كان لا يقْدُمُ من سَفَرٍ إلاّ صَنَعَ طَعَاماً فَدَعَا عَلَيْهِ أشْرَافَ قَوْمِهِ، وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدِمَ ذاتَ يَوْمٍ مِنْ سَفَرٍ، فَصَنَعَ طَعَاماً فَدَعَا عَلَيْهِ النَّاسَ، وَدَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَرُبَ الطَّعَامُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا نَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ يَا عُقْبَةُ حَتَّى تَشْهَدَ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ " فَقَالَ عُقْبَةُ: أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ أُبّيُّ بْنُ خَلَفٍ غَائِباً، فَلَمَّا أُخْبرَ بإسْلاَمِ عُقْبَةَ وَكَانَ صَدِيْقَهُ، قَالَ لَهُ: أصَبَوْتَ يَا عُقْبَةُ؟! فَقَالَ: لاَ؛ وَاللهِ مَا صَبَوْتُ وَإنَّ أخَاكَ كَمَا تَعْلَمُ، وَلَكِنِّي صَنَعْتُ طَعَاماً فَأَبَى أنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِي إلاَّ أنْ أشْهَدَ، فَاسْتَحْيَيْتُ أنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي وَلَمْ يَطْعَمْ، فَشَهِدْتُ لَهُ وَلَيْسَ فِي نَفِسِي ذلِكَ، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: يَا عُقْبَةُ! مَا أنَا بالَّذِي أرْضَى مِنْكَ أبَداً حَتَّى تَأْتِيَهُ فَتَبْزُقَ فِي وَجْهِهِ! فَفَعَلَ عُقْبَةُ ذلِكَ ".

قال الضحَّاكُ: (لَمَّا بَزَقَ عُقْبَةُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَادَ بُزَاقُهُ فِي وَجْهِهِ وَلَسَعَهُ لَسْعَةً فَأَحْرَقَ خَدَّيْهِ، وَكَانَ أثَرُ ذلِكَ فِيْهِ حَتَّى الْمَوْتِ). وعن عطاءٍ عن ابنِ عبَّاس قال: (كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يُجَالِسُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَسْمَعُ كَلاَمَهُ مِنْ غَيْرِ أنْ يُؤْمِنَ بهِ، فَلَمَّا أرَادَ عُقْبَةُ بْنُ أبي مُعِيْطٍ أنْ يُؤْمِنَ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَكَانَ خَلِيْلاً لَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إنْ بَايَعْتَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يُؤْمِنْ وَاتَّبَعَ رضَى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } يعني عقبةَ بن أبي مُعيطٍ، يعضُّ على يديه تَنَدُّماً وتَحَسُّراً وأسَفاً على ما فَرَّطَ في جنب الله. قال عطاءُ: (يَأْكُلُ يَدَيْهِ حَتَّى يَذْهَبَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ يَنْبُتَانِ، فَلاَ يَزَالُ هَكَذا دَأبُهُ، كُلَّمَا نَبَتَتْ يَدُهُ أكَلَهَا نَدَامَةً عَلَى مَا فَعَلَ، وَذلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُم { يَقُولُ } ، على وجه التحسر: { يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً }؛ أي لَيْتَنِي اتبعتُ الرسولَ وسلكتُ طريقته فإنَّها طريقُ الهدى، { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً }؛ يعني أُبَيَّ بنَ خلفٍ، { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي }؛ أي لقد صَرَفَنِي عن القُرْآنِ بعد إذ دعانِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2