الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ }؛ أي لِيَسْتَأْذِنْكُمْ في الدُّخولِ عليكم عبيدُكم وإمائكم والذين لَم يبلغُوا الْحُلُمَ منكم أي مِن أحراركم من الرِّجال والنساءِ، والمعنى: لَيَسْتَأْذِنْكُمْ عبيدُكم وإمائكم والذين لَم يبلغُوا الْحُلُمَ من صغيرِ أولادِكم من الأحرارِ في الدُّخول عليكم في ثلاثِ أوقاتٍ من الليلِ والنهارِ يكون الغالبُ فيها كشفُ العوراتِ.

ثُمَّ بَيَّنَ الأوقاتَ الثلاث فقال: { مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ }؛ أي وقتَ القيامِ مِن المضاجع والتَّهَيُّؤِ للصَّلاةِ بالطهارةِ، { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ }؛ وهو وقتُ القَيْلُولَةِ، { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ }؛ أرادَ به العشاءَ الأخيرةَ، وهذه الأوقاتُ الثلاثة: { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ }؛ لأنَّ الإنسانَ يضعُ ثيابه فيها في العادةِ.

من قرأ (ثَلاَثُ) بالرفع، فمعناه: هذه الأوقاتُ الثلاثة ثلاثُ عوراتٍ لكم. ومَن قرأ (ثَلاَثَ) بالنصب جعلَهُ بدَلاً من قولهِ (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ). قال السديُّ: (كَانَ أُنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يُعْجِبُهُمْ أنْ يُوَاقِعُواْ نِسَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ الثَّلاَثِ لِيَغْتَسِلُواْ ثُمَّ يَخْرُجُواْ إلَى الصَّلاَةِ؛ فَأَمَرَهُمُ اللهُ أنْ يَأْمُرُواْ الْغِلْمَانَ وَالْمَمَالِيْكَ أنْ يَسْتَأْذِنُواْ فِي هَذِهِ الثَّلاَثِ سَاعَاتٍ إذا دَخَلُواْ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ }؛ أي لا جناحَ عليكم ولا عليهم في أنْ لاَ يستأذِنُوا في غيرِ هذه الأوقات.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }؛ أي طَوَّافُونَ عليكم يدخلُونَ ويخرجون ويذهبون ويجيئون ويتردَّدُون في أحوالِهم واشتغَالِهم بغيرِ إذنٍ، يريدُ أنَّهم خَدَمُكُمْ، شئ فلا بأسَ أن يدخلُوا في غيرِ هذه الأوقات بغيرِ إذن. قال مقاتلُ: (مَعْنَاهُ: يَطُوفُ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْمَمَالِيْكُ عَلَى بَعْضٍ وَهُمُ الْمَوَالِي).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ }؛ أي هكذا يُبَيِّنُ اللهُ لكم الدَّلالاتِ والأحكامِ في أمر الاستئذان، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ }؛ بمصالحِ العباد، { حَكِيمٌ }؛ فيما حَكَمَ من استئذانِ الْخَدَمِ في هذه الأوقاتِ الثلاثة.