الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ }؛ يعني ذلك المصباحَ في بُيُوتٍ، قِيْلَ: معناهُ: تُوقَدُ في بيوتٍ وهي المساجدُ، أذِنَ اللهُ في رفعِها؛ أي رَفْعِ بنائها كما قال تعالىوَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } [البقرة: 127]، ويستدلُّ مِن هذه الآيةِ أن لا يؤذنَ في رفعِ شيء من الأبنية فوقَ الحاجة غيرَ المساجد التي يُصَلِّي فيها المؤمنونَ، ويستضيءُ بنور قناديلها العابدونَ. وقال الحسنُ: (مَعْنَى قَوْلِهِ { أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } أيْ تُعَظَّمَ وَتُصَانَ عَنِ الأَنْجَاسِ وَاللَّغْوِ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَعَنِ التَّكَلُّمِ بالْخَنَا).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ }؛ وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " جَنِّبُواْ مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِيْنَكُمْ؛ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ؛ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإقَامَةَ حُدُودِكُمْ؛ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ، وَاجْعَلُواْ عَلَى أبْوَابهَا الْمَطَاهِرَ " قال ابنُ عبَّاس: (الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ، وَهِيَ تُضِيْءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيْءُ النُّجُومُ لأَهْلِ الأَرْضِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } أي ويُذْكَرُ في المساجدِ اسمُ الله تعالى وتوحيدهُ.

وقولهُ تعالى: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا }؛ أي يُصَلِّي للهِ تعالى في تلك البيوتِ الصلاةَ المفروضةَ، { بِٱلْغُدُوِّ }؛ أي صلاة الغداة، وقولهُ تعالى { وَٱلآصَالِ } ، يعني العَشِيَّاتِ، والأصِيلُ ما بين العصرِ إلى الليلِ، وسُميت الصلاةُ تَسبيحاً لاختصاصها بالتسبيحِ. وقرأ ابنُ عامر: (يُسَبَّحُ) بفتحِ الباء على ما لَم يسمَّ فاعلهُ.

ثُم فسَّرَ مَن يُصلي فقال: { رِجَالٌ }؛ كأنه قالَ: مَن يُسَبِّحُ؟ فقيلَ: رجَالٌ { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ }؛ أي لا تشغَلُهم تجارةٌ، ولا بَيْعٌ عن طاعةِ الله، وعن إقامةِ الصَّلاة في البيوتِ، وعن إعطاءِ الزكاة.

قال الفرَّاءُ: (التِّجَارَةُ لأَهْلِ الْجَلْب، وَالْبَيْعُ مَا بَاعَهُ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ) وَخَصَّ قَوْمٌ التِّجَارَةَ هُنَا بالشِّرَاءِ لِذِكْرِ الْمَبيْعِ بَعْدَهَا. والمعنى: لا يَمنعُهم ذلك عن حضور المساجد لإقامةِ الصلاة وإتْمَامِها، وإذا حضرَ وقتُ الزكاةِ لَم يحبسُوها عن وقتِها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ }؛ أي يفعلون ذلك خَوْفاً من يومٍ تَرْجِفُ فيه القلوبُ، وتدورُ حُدَقُ العيونِ حالاً بعد حالٍ من الفَزَعِ والخوفِ رجاءَ أن { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ }؛ فِي دارِ الدُّنيا، { وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ }؛ بغيرِ استحقاقٍ، { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }؛ أي بغيرِ حَصْرٍ ولا نِهايةٍ.