* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق
قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }؛ أي اللهُ هادِي أهلِ السَّماوات وأهلِ الأرض بالآياتِ المبيِّنات، لا هاديَ فيهما غيرهُ، فبنُورهِ الخلقُ يهتدونَ، وبهداهُ من الضَّلالةِ يَنْجُونَ، فلا يهتدي مَلَكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسل إلاّ بهداهُ.
وقال الضحَّاكُ: (مَعْنَاهُ اللهُ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، وقال مجاهدُ: (مَعْنَاهُ: اللهُ مُدَبرُ الأُمُورِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، وقال الحسنُ وأبو العاليةِ: (اللهُ مُزَيِّنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، يعني مُزَيِّنُ السَّماوات بالشمسِ والقمر والنُّجومِ، ومُزيِّنُ الأرضِ بالأنبياء والعُلماء والمؤمنينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَثَلُ نُورِهِ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (مَثَلُ نُورهِ الَّذِي أعْطَاهُ الْمُؤْمِنِيْنَ)، وقال السديُّ: (مَثَلُ نُورهِ الَّذِي فِي قَلْب الْمُؤْمِنِ)، وكان أُبَيُّ يقرأُ (مَثَلُ نُور الْمُؤْمِنِيْنَ). وَقِيْلَ: كان يقرأ (مَثَلُ نُور مَنْ آمَنَ بهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ }؛ الْمِشْكَاةُ في لغة الحبشة: كُوَّةٌ غَيْرُ نَافِذةٍ، والمصباحُ: هو السِّرَاجُ في القِنْدِيْلِ من الزُّجَاجِ الصَّافِيَةِ. وَقِيْلَ: الْمِشْكَاةُ: عَمُودُ الْقِنْدِيْلِ الذي فيه الفَتِيْلَةُ. وقال مجاهدُ: (هِيَ الْقِنْدِيْلُ)، قال الزجَّاج: (النُّورُ فِي الزُّجَاجِ، وَضَوءُ النَّارِ أبَيْنُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَضَوْؤُهُ يَزِيْدُ فِي الزُّجَاجِ وَيَتَضَاعَفُ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يُقَابلُهُ مِثْلُهُ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي سِرَاجٌ، وأصلهُ من الضَّوءِ، ومن ذلك الصُّبْحُ، ورجلٌ صَبيْحُ الوجهِ إذا كان وَضِيئاً، وفرَّقَ قومٌ بين المصباحِ والسِّراج؛ فقالوا: المصباحُ دونَ السِّراج، والسراجُ أعظمُ من المصباحِ؛ لأن اللهَ تعالى سَمَّى الشمسَ سِرَاجاً، وقال في غيرِها من الكواكب{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ } [الملك: 5].
ثُم وصفَ اللهُ الزجاجةَ التي فيها المصباحِ؛ فقالَ: { ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ }؛ شبَّهَ القنديلَ الذي يكونُ فيه السِّراجُ بالكوكب الدُّرِّيِّ؛ وهو النجمُ الْمُضِيْءُ، ودَرَاري النُّجومِ كبارُها، وقولهُ { دُرِّيٌّ } نسبةً إلى أنه كالدُّرِّ في صفائهِ وحُسْنِهِ، كأنَّ الكوكب دُرَّةٌ بيضاءُ.
قرأ أبو عمرٍو والكسائيُّ: (دِرِّئٌ) بكسرِ الدال مهموزٌ مَمدود؛ وهو فِعِّيْلٌ من الدَّرْءِ بمعنى الدَّفعِ، يقالُ: دَرَءَ يَدْرَأ إذا دَفَعَ، فكأنه تَلأْلُؤٌ يدفعُ أبصارَ الناظرين إليه. ويقالُ: كأنه رَجَمَ به الشياطينَ فدرأهُم؛ أي دفَعَهم بسرعةٍ في الانقضاضِ، وذلك أضْوَءُ ما يكونُ.
وقرأ حمزةُ وأبو بكر: مضمومةُ الدالِ مهموزٌ مَمدود، قال أكثرُ النُّحاة: هو لَحْنٌ؛ لأنه ليسَ في كلامِ العرب، فقيل بضمِّ الفاء وكسر العينِ، وأنكرَهُ الفرَّاءُ والزجَّاج وأبو العباسِ، وقال: (هَذا غَلَطٌ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَب شَيْءٌ عَلَى هَذا الْوَزْنِ). وقرأ الباقون بضمِّ الدالِ وتشديد الياءِ من غير همزٍ، فنسبوهُ إلى الدُّرِّ في صفائه وبَهائهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ }؛ فيه أربعُ قراءاتٍ، قرأ نافع وابن عامر: بياءٍ مضمومة يعنونَ المصباحَ، وقرأ حمزةُ والكسائي وخلف: بتاءٍ مضمومة يعنون الزُّجاجةَ، وقرأ أبو عمرٍو: (تَوَقَّدَ) بالتاء وفتحها وفتح الواو مشدَّدة بمعنى الماضِي، وقرأ ابنُ محيصن: بتاءٍ مفتوحة وتشديد القاف مثل قراءةِ أبي عمرٍو إلاّ أنه رفعَ الدالَ بمعنى الفعلِ المستقبل بمعنى: تتوقَّدُ الزجاجةُ.