الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً }؛ أي جعلْنَا ولادةَ عيسى من غيرِ أبٍ دلالةً على التوحيدِ والبعثِ، ولَم يقل: آيَتَيْنِ؛ لأن معنى الآيةِ فيهما واحدةٌ. وَقِيْلَ: معنى كلِّ واحدٍ منهما آيةٌ، كما قالكِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } [الكهف: 33] أي آتَتْ كلُّ واحدةٍ أُكُلَها، وقال تعالى:إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } [المائدة: 90] ولَم يقُلْ أرْجَاسٌ. وَقِيْلَ: معناهُ: جعلنا شأنَهما واحداً؛ لأن عيسى وُلِدَ من غيرِ أبٍ، وأمُّهُ ولَدَت من غير مسيسٍ ذكَرٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }؛ أي جعلنَاهُما يَأْوِيَانِ إلى بُقعة مرتفعة ذاتِ استواءٍ واستقرار، ومكان ظاهر. والرَّبْوَةُ: المكانُ المرتفع من الأرضِ.

واختَلَفُوا في هذه البُقعةِ، قال قتادةُ: (يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ أرْفَعُ مَوْضِعٍ فِي الأَرْضِ وَأقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَى السَّمَاءِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيْلاً)، وقال أبُو هريرةَ: (هِيَ رَمْلَةُ بأَرْضِ فِلِسْطِيْنَ)، وروى الحسنُ وابنُ المسيَّب: (أنَّهَا دِمَشْقُ). وقولهُ تعالى { ذَاتِ قَرَارٍ } أي مُستَويةٍ ليستقرَّ عليها ساكِنُوها، وهي مع ذلك ساحةٌ واسعة، والْمَعِيْنُ الماءُ الجاري الطاهرُ الذي تراهُ العيون، يقال عَانَتِ الرُّكبة إذا سَالَتْ بالماءِ.