قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ }؛ أي لكلِّ أهلِ دِين جعلنا شَريعةً هم عاملون بها، وَقِيْلَ: مَوْضِعاً تعتادُونه لعبادةِ الله، ومَكَاناً تعيشونه وتعملون الخيرَ فيه. وَقِيْلَ: معناهُ: لكلِّ أُمَّةٍ جعلنا عِبَراً. وقال قتادةُ: (مَوْضِعُ قُرْبَانٍ يَذْبَحُونَ فِيْهِ)، وَقِيْلَ: الْمَنْسَكُ جميعُ العباداتِ التي أمرَ اللهُ بها، كما قالَ صلى الله عليه وسلم يومَ الأضحى: " إنَّ أوَّلَ نُسُكٍ فِي يَوْمِنَا هَذا الصَّلاَةُ ثُمَّ الذبْحُ " وَقِيْلَ: أراد بالمنسكِ في هذه الآية الْمَذْبَحَ الذي يتقرَّبون فيه بذبائحِهم إلى اللهِ تعالى، كما جعلَ مكاناً منحراً للإنسان؛ لأن النُّسُكَ إذا أُطْلِقَ أُريد به الذبحُ من جهة القُرْبَةِ، كما قالَ{ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [البقرة: 196]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ }؛ معناه: النَّهْيُ عن المنازعةِ بعد ظهورِ ما يوجبُ نَسْخَ الشرائعِ المتقدِّمة، كما يقالُ: لا يُخَاصِمُكَ فلانٌ في هذا الأمرِ. وَقِيْلَ: معناهُ: لا ينازعنَّكَ في أمرِ الذبح، وذلك أن كفارَ قريش خَاصَمُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ في أمرِ الذبيحة؛ وقالوا: ما لكم تأكلونَ ما قتلتُم بأيديكم، ولا تأكلونَ ما قَتَلَهُ اللهُ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }؛ أي أدْعُ إلى دينِ ربكَ وطاعته إنَّكَ على هُدًى مستقيمٍ، وَقِيْلَ: على دَلاَلَةٍ ودينٍ مستقيم. { وَإِن جَادَلُوكَ }؛ على سبيلِ المراءِ والتَّعْنُّتِ كما يفعلهُ السفهاء، { فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }؛ أي إدفَعْهُم بهذا القول، ولا تُجَادِلْ إلاّ لِتَبْييْنِ الحقِّ، والمعنى: وإنْ خَاصَمُوكَ في أمرِ الذبيحةِ فَقُلِ اللهُ أعْلَمُ بمَا تَعْمَلُونَ مِن التكذيب فهو يُجازيكم به، وهذا قَبْلَ الأمرِ بالقتال. وقولهُ تعالى: { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }؛ أي يَقْضِي بينَكم يومَ القيامة، { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من الدِّين والذبيحةِ.