الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ }؛ أي لكلِّ أهلِ دِين جعلنا شَريعةً هم عاملون بها، وَقِيْلَ: مَوْضِعاً تعتادُونه لعبادةِ الله، ومَكَاناً تعيشونه وتعملون الخيرَ فيه. وَقِيْلَ: معناهُ: لكلِّ أُمَّةٍ جعلنا عِبَراً. وقال قتادةُ: (مَوْضِعُ قُرْبَانٍ يَذْبَحُونَ فِيْهِ)، وَقِيْلَ: الْمَنْسَكُ جميعُ العباداتِ التي أمرَ اللهُ بها، كما قالَ صلى الله عليه وسلم يومَ الأضحى: " إنَّ أوَّلَ نُسُكٍ فِي يَوْمِنَا هَذا الصَّلاَةُ ثُمَّ الذبْحُ " وَقِيْلَ: أراد بالمنسكِ في هذه الآية الْمَذْبَحَ الذي يتقرَّبون فيه بذبائحِهم إلى اللهِ تعالى، كما جعلَ مكاناً منحراً للإنسان؛ لأن النُّسُكَ إذا أُطْلِقَ أُريد به الذبحُ من جهة القُرْبَةِ، كما قالَفَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [البقرة: 196].

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ }؛ معناه: النَّهْيُ عن المنازعةِ بعد ظهورِ ما يوجبُ نَسْخَ الشرائعِ المتقدِّمة، كما يقالُ: لا يُخَاصِمُكَ فلانٌ في هذا الأمرِ. وَقِيْلَ: معناهُ: لا ينازعنَّكَ في أمرِ الذبح، وذلك أن كفارَ قريش خَاصَمُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ في أمرِ الذبيحة؛ وقالوا: ما لكم تأكلونَ ما قتلتُم بأيديكم، ولا تأكلونَ ما قَتَلَهُ اللهُ؟

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }؛ أي أدْعُ إلى دينِ ربكَ وطاعته إنَّكَ على هُدًى مستقيمٍ، وَقِيْلَ: على دَلاَلَةٍ ودينٍ مستقيم. { وَإِن جَادَلُوكَ }؛ على سبيلِ المراءِ والتَّعْنُّتِ كما يفعلهُ السفهاء، { فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }؛ أي إدفَعْهُم بهذا القول، ولا تُجَادِلْ إلاّ لِتَبْييْنِ الحقِّ، والمعنى: وإنْ خَاصَمُوكَ في أمرِ الذبيحةِ فَقُلِ اللهُ أعْلَمُ بمَا تَعْمَلُونَ مِن التكذيب فهو يُجازيكم به، وهذا قَبْلَ الأمرِ بالقتال. وقولهُ تعالى: { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }؛ أي يَقْضِي بينَكم يومَ القيامة، { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من الدِّين والذبيحةِ.