الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

وقولهُ تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ }؛ قال ابنُ عبَّاس وابن جُبير والضحَّاكُ: (وذلكَ أنَّ الشيطانَ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في صُورةِ جبريلَ وهو قائمٌ يصلِّي عند الكعبةِ يقرأ سورةَوَٱلنَّجْمِ } [النجم: 1] حتَّى اذا انتهَى إلَى قولهِ تعالىأَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] ألقَى الشيطانُ على لسانه (تلكَ الغَرَانِيْقُ العُلى منها الشفاعةُ ترتَجى)، فلما سمعَ المشركون أعجبَهم ذلك، فلما انتهى إلى آخرِ السورة سَجَدَ، وسَجَدَ معه المسلمون والمشركونَ إلاّ الوليدَ بن المغيرة، فإنه لَم يقدر على السُّجود لكِبَرِهِ، فقال: ائتونِي بالتُّراب، فأتوهُ بالتراب فوضعَهُ على كَفِّهِ، ثم سجد على كفِّه، فلما نزلَ جبريلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكَرَ له ذلكَ، فقال جبريلُ: ما جئتُكَ بهذه ولا أنزلَهُ اللهُ تعالى، فقالَ: أتانِي شيءٌ في مثلِ صورتِكَ فألقاهُ علَيَّ).

وهذا حَدِيْثٌ أنْكَرَ أهْلُ الْعِلْمِ إجْرَاءَهُ على ظاهرهِ، وقالوا: كيفَ يجوزُ أن يجعلَ اللهَ للشيطانِ على رسولهِ هذا السلطانَ، أوَ يختارُ لرسالته مَن لا يُمَيِّزُ بين وحيِ الله ووساوسِ الشَّيطان؟! ومِن المعلوم أن مَن نَسَبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم به إلى ما يرجعُ إلى تعظيمِ الأصنام فقد كَفَرَ، إلاّ أنه يحتملُ أن يكون الشيطانُ ألقَى في تلاوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما لَم يَقُلْهُ، وخُيِّلَ إلى مَن سَمع تلاوتَهُ مِن الذين كانوا بالبُعْدِ منهُ أنه جرَى على لسانهِ، وإنَّما هو من لسانِ الشيطان، وكان ذلك فتنةً للتابعين، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُوماً مِن أن يَجْرِيَ على لسانهِ ما لَم يُنْزِّلْهُ اللهُ. وقد يُذْكَرُ التَّمَنِّي ويرادُ به القراءةُ كما قال الشاعر:
تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أوَّلَ لَيْلِهٍ   وَآخِرَهُ لاَقِي حِمَامَ الْمَقَادِر
وقال جماعةٌ من المفسِّرين: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَريصاً على إيْمان قومهِ، وتَمنَّى في نفسهِ مِن الله أن يأتيه ما يقاربُ بينه وبين قومهِ، فجلسَ ذات مرَّة بهم في مجلسٍ كثيرٌ أهلهُ، وأحبَّ يومئذ أن يأتيه من اللهِ شيءٌ فقرأ عليهم سُورة النَّجْمِ، فلما بَلَغَأَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] ألقَى الشيطانُ على لسانهِ (تلك الغرانيقُ العلى وأن شفاعتهم ترتجى) فلما سَمعت قريشُ ذلك فرِحُوا وقالوا: قد ذكرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتنا بأحسنِ الذكر، ومضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قراءتهِ، فلما خَتَمَ السورةَ سَجَدَ في آخرِها وسجدَ معه المسلمون والمشركون إلاّ الوليدَ بن المغيرةِ وسعيدَ بن العاص فإنَّهما أخذا حفنةً من البطحاءِ ورفَعَاها إلى جبهَتِهما وسجدا عليها؛ لأنَّهما كانا شَيخين كبيرين لَم يستطيعا أن يسجُدَا.

السابقالتالي
2