الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ }؛ أي يوم تَرَوْنَ تلك الزَّلْزَلَةَ تَذْهَلُ في ذلك اليومِ كلُّ مُرضعةٍ عمَّا أرْضَعَتْ؛ أي تَنْسَى. وَقِيْلَ: تَشْتَغِلُ، وَقِيْلَ: تتركُ، يقالُ: ذهِلْتُ عن كَذا إذا تركتهُ. وَقِيْلَ: معنى الآية: يوم تَرَوْنَ الزلزلةَ تَشْتَغِلُ كلُّ مرضعةٍ عن ولدِها بغيرِ فطام، { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } ، وتضعُ الحامل ما فِي بطنِها لغير تَمام. وهذا إنَّما يكون على وجهِ التَّشبيهِ، والمعنى: أنْ لو كانت ثَمَّ مرضعةٌ لذهِلَتْ عن ولدِها، وحاملٌ لوضعَتْ حَملَها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ }؛ أي من شِدَّةِ الفَزَعِ والخوف من عذاب الله يتحيَّرون كأنَّهم سُكارى، { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ }؛ من الشَّراب، { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } والمعنى: ترَى الناسَ كأنَّهم سُكارى من ذهُوْلِ عقولِهم لشدَّة ما يمر بهم فيضطَربون اضطرابَ السَّكران، وسُكَارَى جمعُ سَكْرَانٍ. وقرأ أهلُ الكوفة (سُكْرِي وسُكْرَى) بغيرِ ألف. قال الفرَّاء: هُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ فِي الْعَرَبيَّةِ؛ لأنَّهُ بمَنْزِلَةِ الْهَلْكَى وَالْجَرْحَى وَالْمَرْضَى).

وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: " " يَقُولُ اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لآدَمَ: يَا آدَمُ؛ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ؛ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إلَى الْجَنَّةِ. فَعِنْدَ ذلِكَ يَشِيْبُ الصَّغِيْرُ، وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بسُكَارَى ".

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيُّنَا ذلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يَبْقَى؟ قَالَ: " أبْشِرُوا؛ إنِّي لأَرْجُو أنْ يَكُونَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفٌ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ " ثُمَّ قَالَ: " إنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الْجَنَّةِ " فَكَبَّرْنَا وَحَمَدْنَا، ثُمَّ قَالَ: " إنَّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الْجَنَّةِ " فَكَبَّرْنَا وَحَمَدْنَا، ثُمَّ قَالَ: " إنِّي لأَرْْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَي أهْلِ الْجَنَّةِ، وَأهْلُ الْجَنَّةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ صَفّاً، ثَمَانُونَ مِنْهَا أُمَّتِي " ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألَفاً بغَيْرِ حِسَابٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ ألْفاً " فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مَحِيْصٍ: أُدْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: " أنْتَ مِنْهُمْ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أُدْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: " سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ " ".