الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ }؛ أي دَخَلَ الضرُّ في جسدِي، { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }؛ بالعبادِ، فكان هذا تَعْرِيْضاً منهُ بالدعاءِ لله لإزالة ما بهِ من الضُّرِّ، { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءَهُ، { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ }؛ وقولهُ تعالى: { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ }؛ قال ابنُ مسعود وقتادة والحسنُ: (أحْيَا اللهُ لَهُ أوْلاَدَهُ الَّذِيْنَ هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا بأَعْيَانِهِمْ وَرَدَدْنَا لَهُ مِثْلَهُمْ).

ويقالُ: أبْدَلَهُ اللهُ بكلِّ شيء ذهبَ عنه ضِعْفَ، وعن ابنِ عبَّاس قال: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فقالَ: " يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، رَدَّ اللهُ امْرَأتَهُ وَزَادَ فِي شَبَابهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ ذكَراً " " قَوْلُهُ تَعَالَى: { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا }؛ أي فَعَلْنَا ذلك به رحمةً من عندنا، { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ }؛ أي وموعظةً للمطيعين.

قال وهبُ بن مَنبه: (كان أيوبُ عليه السلام رجلاً من الرُّوم من ذريَّة اسحاق بن إبراهيمَ وكانت أمُّهُ من ولدِ لُوطٍ، وكان اللهُ قد اصطفاهُ وبناه وبسطَ عليه الدُّنيا، وآتاهُ من أصناف المال من البقرِ والإبل والغنم والخيل والْحُمُرِ ما لا يؤتيهِ أحداً، وكان قد أعطاهُ الله أهلاً ووَلداً من رجالٍ ونساء، وكان له خمسمائة عبدٍ، لكلِّ عبدٍ امرأةٌ وولد ومال.

وكان أيوبُ عليه السلام بَرّاً تَقِيّاً رحيماً بالمساكين، يُكْرِمُ الأراملَ والأيتام ويَكْفُلُهُمْ، ويُكْرِمُ الضيفَ، وكان شَاكراً لأنْعُمِ اللهِ، مؤدِّياً لحقِّ الله، قد امتنعَ من عدوِّ الله إبليسَ أن يصيبَ منه ما يصيبُ من أهلِ الغِنَى من الفتنةِ والغفلة والشَّهوة والتشاغُلِ عن أمر الله بما هو فيه من الدُّنيا، وكان كثيرَ الذكرِ لله تعالى مجتهداً في العبادةِ، وكان إبليسُ لا يُحْجَبُ عن شيءٍ من السَّماوات.

ومن هنا وصلَ إلى آدمَ عليه السلام حين أخرجَهُ من الجنةِ، فلم يزلْ على ذلك يصعدُ في السَّماوات حتى رفعَ اللهُ عيسى عليه السلام فحُجِبَ من أربعٍ، وكان يصعدُ في الثلاثِ، فلمَّا بعثَ الله مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم حُجِبَ من الثلاثِ الباقيات، فهو وجنودهُ مَحْجُوبُونَ من جميعِ السماوات إلى يوم القيامةِ إلاّ مَن اسْتَرَقَ فأتبعهُ شهابٌ ثاقب.

فلما كان إبليسُ في زمان أيوبَ يصعدُ إلى السَّماء، سَمِعَ تحاديثَ الملائكة بصلاة أيوبَ، وذلك حين ذكَرَهُ اللهُ وأثنى عليهِ، فأدركَهُ الحسدُ بأيوب، فصعدَ سريعاً حتى وَقَفَ مِن السماوات موقفاً كان يَقْفُهُ، وقال: إلَهي؛ عبدُكَ أيوبُ قد أنعمتَ عليه فشكركَ، وعَافَيتَهُ فَحَمِدَكَ، ولَم تُجَرِّبْهُ بشدَّة ولا بلاءٍ، وأنا لك زعيمٌ لَئِنْ جرَّبتَهُ بالبلاءِ ليَكْفُرَنَّ بكَ.

فقالَ اللهُ تعالى: انطلق؛ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ على مالهِ، فانقضَّ إبليسُ حتى وقعَ على الأرضِ وجَمَعَ عفاريتَ الجنِّ وقال لَهم: ماذا عندَكُم من القوَّة؟ فإنِّي قد سُلِّطْتُ على مالِ أيُّوبَ، وهي المصيبةُ الكبرى والفتنةُ التي لا تَصْبرُ عليها الرجالُ، فقال عفريتٌ من الجنِّ: أعطيتُ من القوةِ ما إذا شِئْتُ تَحَوَّلْتُ إعصاراً من النار، وأحرقتُ كلَّ شيءٍ أتى عليه، فقال لهُ ابليسُ: إذهب إلَى الإبلِ ورُعاتِها، فذهب إلى الإبلِ فوجدَها في المرعى، فلم يشعُرِ الناسُ حتى ثارَ إعصارٌ تنفخُ منه السَّموم، لا يدنو منهُ أحدٌ إلاّ احترقَ، فلم يزل يُحرِقُها ورعاتَها حتى أتى على آخرِها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7