الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ }؛ قال ابنُ عبَّاس ومجاهدُ: (السِّجِلُّ هُوَ الصَّحِيْفَةُ تُطْوَى بمَا فِيْهَا مِنَ الْكِتَابَةِ) وَاللاَّمُ في قوله (لِلْكُتُبِ): بمعنى (على)، وقال السديُّ: (هُوَ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بالصُّحُفِ، إذا مَاتَ الإنْسَانُ رُفِعَ كِتَابُهُ إلَيْهِ فَطَوَاهُ). وَقِيْلَ: إن السِّجِلَّ كاتبٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ويقالُ: هو الرجلُ بلغة الحبَشَة.

قرأ أبو جعفرٍ: (تُطْوَى السَّمَاءُ) بالتاء، ورفعَ (السَّمَاءُ) على ما لَم يُسَمَّ فاعلهُ. وقرأ أهلُ الكوفة: (لِلْكُتُب) على الجمعِ.

والمرادُ بطَيِّ السَّماءِ أنَّ اللهَ تعالى يَطْوِيْهَا، ثُم يفتحُها ثم يُعيدها، ولذلك قال: { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ }؛ أي كما بدأناها أوَّلَ مرَّة، نعيدُها إلى الحالةِ الأُولى. ويجوزُ أن يكون معنى قولهِ { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } نعيدُ الخلقَ للبعثِ كما بدأناهُ في النُّطفةِ، ودليلُ هذا القولِ قَوْلُهُ تَعَالَى:كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف: 29].

والطَّيُّ في هذه الآيةِ يحتملُ معنَيين؛ أحدهما: الدَّرْجُ الذي هو ضِدُّ النَّشْرِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67]. والثَّانِي: الإخفاءُ والتَّعْمِيَةُ والْمَحْوُ والطَّمسُ؛ لأن اللهَ تعالى يَمحُو رسُومَها ويُكْدِرُ نُجومَها. وَقِيْلَ: معنى قولهِ تعالى { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ }: كما بدأنَاهُم في بطُونِ أمَّهاتِهم حفاةً عُراة غُرْلاً، كذلك نعيدُهم يومَ القيامةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَعْداً عَلَيْنَآ }؛ نُصِبَ على المصدرِ بمعنى: قد وَعَدْنَاهم هذا وَعْداً، قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }؛ ما وعَدْنَاكم مِن ذلك، وَقِيْلَ: فاعلينَ الإعادةَ والبعثَ.