الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ }؛ أي قالتِ السَّحرةُ: يَا مُوسَى إمَّا أنْ تُلْقِيَ عَصَاكَ إلى الأرض، وَإمَّا أنْ نَكُونَ أوَّلَ مَنْ ألْقَى الْعِصِيَّ والحبالَ، { قَالَ } لَهم موسى: { بَلْ أَلْقُواْ }؛ فألْقَوا حبالَهم وعِصِيَّهم.

روي أنَّهم كانوا سبعينَ ألفَ ساحرٍ، وكان عددُ ما عمِلُوا من الحبالِ والعصيِّ حِمْلَ ثلاثِمائة بعيرٍ، فألْقَوا ما معهم، { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }؛ أي تَمشي وتتحرَّكُ، وكانوا قد احتالُوا فيها بحيلةٍ، فكان كلُّ مَن رآها مِن بعيد يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها تتحركُ.

قرأ ابنُ عامر: (تُخَيِّلُ) بالتاء، ردَّهُ إلى الحبالِ والعِصِيِّ، وقرأ الباقون بالياء، ردُّوهُ إلى الكيدِ والسِّحر، وذلك أنَّهم لَطَّخُوا حبالَهم وعصيَّهم بالزِّئبقِ، فلما أصَابَهُ حرُّ الشمسِ ارتعشت واهتَزَّت، فظنَّ موسى أنَّها تقصده، { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ }؛ أي أحسَّ ووَجَدَ، وَقِيْلَ: أضْمَرَ في نفسه خِيْفَةً.

فإن قِيْلَ: لِمَ جازَ أمرُهم بالإلقاءِ وهو كفرٌ؟ قِيْلَ: يجوزُ أن يكون معناهُ: ألْقُوا إنْ كنتم مُحِقِّيْنَ كما زعمتُم، ويجوزُ أن يكون أمراً بالإلقاءِ على وجه الاعتبارِ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لاَ تَخَفْ } ، فإن قِيْلَ: ما الذي خَافَهُ موسى؟ قِيْلَ: خافَ أن يلتبسَ على الناسِ أمرُ السَّحَرَةِ فيتوهَّمون أنَّ حبالَهم وعصيهم بمنْزِلة عصاهُ. وَقِيْلَ: كان خوفهُ خوفَ الطبعِ لِمَا رأى من كثرةِ الحيَّات العِظَامِ.