الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ }؛ أي قال الملأُ من قومِ فرعون: إنَّ موسى وهارون لَسَاحرانِ، { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا }؛ من أرضِ مصرَ، { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }؛ أي بدِيْنِكُم الأمثلُ، وَقِيْلَ: معناه: ويَذْهَبَا بأهلِ طريقتكم.

واختلفَ القُرَّاء في قولهِ تعالى { إِنْ هَـٰذَانِ } ، قرأ أبو عمرو (هَذيْنِ) على اللغة المعروفةِ وهي لغةُ أهلِ الحجاز، وقرأ نافعُ وابن عامر وحمزةُ والكسائي (هَذانِ) بالألفِ وهي لغَةُ كنانةَ وبني الحارثِ بن كعب وخَثْعَمَ وزيدٍ وقبائلَ من اليمنِ: يجعلون ألِفَ الاثنين في الرفعِ والنصب والخفضِ على لفظٍ واحد، يقولون: أتانِي الزَّيدان، ورأيتُ الزَّيدان، مَرَرْتُ بالزيدان. قال الفرَّاءُ: أنْشَدَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أسَدٍ، وَمَا رَأيْتُ أفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَق إطْرَاقَ الأُفْعُوَانِ وَلَوْ يَرَى   مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقولون: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عُلاَهُ، يعني يديهِ وعليه، قال شاعرُهم:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاه ضَرْبَةً   دَعَتْهُ إلَى هَابي التُّرَاب عَقِيْمُ
أراد بين أُذُنيهِ فقال آخرُ:
أيُّ قُلُوصِ رَاكِبٍ تَرَاهَا   طَارُوا عَلاَهُنَّ فَطِرْ عَلاَهَا
أي عليهنَّ وعليها، وقال آخرُ:
إنَّ أبَاهَا وَأبَا أبَاهَا   قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
وقال بعضُهم (إنْ) هنا بمعنى: نَعَمْ. رويَ أنَّ أعرابياً سألَ ابن الزُّبير شيئاً فَحَرَّمَهُ، فقال: لَعَنَ اللهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: (إنْ وَصَاحِبُهَا) يعنِي نَعَمْ. وقال الشاعرُ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبا   حِ يَلُمْنَني وَألُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَ   كَ وَقَدْ كَبرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
أي نعم. وقد ذكرَ أهلُ النحوِ لتصحيح هذه القراءةِ وجُوهاً:

أحدُها: ضَعْفُ عملِ (إنْ) لأنَّها تعملُ بالمشبَّه بالفعلِ وليست بأصلٍ في العمل، ألا ترى أنَّها لَمَّا خُففت لَم تعمل.

والثانِي: أنَّها تشبهُ (اللَّذيْنِ) في البناءِ؛ لأن (اللَّذيْنِ) في الرفع والنصب والخفض سواءٌ، ولأنَّ الألفَ في (هَذانِ) ليس ألفَ التشبيهِ لوجودها في الوِحْدَانِ، وإنَّما زيْدَتْ النونُ في التثنيةِ ليكون فرقاً بين الواحدِ والاثنين، كما قالواُ (الَّذِيْ) ثُم زادوا نُوناً تدلُّ على الجمعِ، قالوا (الَّذِيْنَ) في رفعِهم ونصبهم.

والثالثُ: (إنْ) ها هُنا مخففة وليست مضمرة إلاّ أنه حُذفت الهاء.

والرابعُ: أنه لَمَّا حُذفت الألِفُ صارت ألفَ التثنية عِوَضاً منها.

والخامسُ: أنَّ (إنْ) بمعنى نَعَمْ.