الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ }؛ أي أُوتِيْتَ ما سألتَ يا موسى، وأوتيتَ مُرادَكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ }؛ أي أنعَمْنا عليكَ كَرَّةً أُخرى قبلَ هذه المرَّة.

ثم بَيَّنَ تلك النعمة، فقالَ تعالى: { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ }؛ أي ألْهَمْنَاهَا حين عَنَتْ بأمرِكَ، وما كان فيه سببُ نَجاتِكَ من القتلِ، { مَا يُوحَىٰ }؛ أي ما يُلْهَمُ، ثم فسَّرَ ذلك الإلْهَامَ فقال: { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } وكان السببُ في ذلك أن فرعونَ كان يقتلُ غِلْمَانَ بنِي إسرائيلَ على ما تقدَّم ذكرهُ، ثُم خَشِيَ أن يَفْنَى نسلُ بني إسرائيلَ، فكان يقتلُ بعد ذلك في سنةٍ ولا يقتلُ في سنةٍ، فوُلِدَ موسى في السَّنة التي يقتلُ فيها الغلمانَ، فنجَّاهُ الله من القتلِ بأن ألْهَمَ أُمَّهُ أن جعلته في التابوتِ، وأُطْرِحَ التابوت في اليَمِّ وهو البحرُ، وأرادَ به النِّيْلَ ومعنى قوله تعالى: { أَنِ ٱقْذِفِيهِ } أي اجعليه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ }؛ لفظهُ لفظ الأمر وهو خبرُ (بتقدير) حتى يلقيه اليَمُّ بالسَّاحل. قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ }؛ وأرادَ به فرعون.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي }؛ وذلك أن أُمَّ موسى لَمَّا اتخذت لِموسى تابوتاً جعلت فيه قُطْناً مَحْلُوجاً، ووضعت فيه موسَى وألقتْهُ في النِّيلِ، وكان يشرعُ منه نَهر كبيرٌ في دار فرعون، فبينما هو جالسٌ على رأسِ البرْكَةِ مع امرأتهِ آسْيَةُ، إذا بالتابوتِ يَجِيْءُ بالماء.

فلما رأى ذلك أمَرَ الجوارِي والغلمان بإخراجهِ فأخرجوهُ، فإذا هو صبيٌّ من أحسنِ الناس وَجْهاً، فلما رآهُ فرعون أحَبَّهُ بحيثُ لَم يتمالك، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } قال عطية العوفي: (وَجَعَلَ عَلَيهِ مِسْحَةً مِنْ جَمَالٍ فَأَحَبَّهُ كُلُّ مَن رآهُ).

وقال عطاءٌ عن ابنِ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } أيْ لاَ يَلْقَاكَ أحَدٌ إلاَّ أحَبَّكَ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ)، وقال عكرمةُ: (ألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً ومَلاَحَةً وَحُسْناً)، فحين أبصرَتْ آسية وجهَهُ قالت لفرعون: قُرَّةَ عَيْنٍ لِي ولكَ. وقال أبو عبيدةُ: (مَعْنَاهُ: جَعَلْتُ لَكَ مَحَبَّةً عِنْدِي وَعِنْدَ غَيْرِي، أحَبَّكَ فِرْعَوْنُ، فَسَلِمْتَ مِنْ شَرِّهِ، وَأحَبَّتْكَ امْرَأتُهُ فَتَبَنَّتْكَ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ }؛ أي ولِتُرَبَّى وتغذى بمرأى أراكَ على ما أريدُ بك من الرفاهيَةِ في غذائِكَ. وقال قتادةُ: (مَعْنَاهُ: لِتُغَذى عَلَى مَحَبَّتِي).

وأرادَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ }؛ وذلكَ أن موسى جَعَلَ يبكي ويطلبُ اللَّبَنَ، فأمَرَ فرعونُ حتى أتَى بالنَّساءِ اللَّواتِي حولَ فرعون ليُرضعْنَ موسى، فلم يَقْبَلْ ثَديَ واحدةٍ منهن، وكانت أُخْتُ موسى مُتَّبعَةً للتابوتِ ماشيةً خَلْفَهُ.

فلما حُمل التابوتُ إلى فرعونَ، ذهبت هي معهُ، فقالت: هَلْ أدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ؟ أي يرضعهُ ويضمُّه ويحصنهُ؟ فقالوا: مَن هي؟ قالت: امرأةٌ قد قُتِلَ ولدُها، وهي تحبُّ أن تجدَ صبيّاً ترضعهُ.

السابقالتالي
2