الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي }؛ أي عن مَوْعِظَتِي، وَقِيْلَ: عن القُرْآنِ فلم يؤمِنْ به ولَم يَتَّبعْهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } ، الضَّنْكُ: الضيِّقُ والشدةُ والصُّعوبَةُ. قال ابنُ عبَّاس: (يَعْنِي أنَّ عَيْشَهُ يَكُونُ مُنَغَّصاً عَلَيْهِ غَيْرَ مُوقِنٍ بالْخَلْفِ وَالْجَزَاءِ)، وقال عبدُالله بنُ مسعودٍ وأبو سعيدٍ الخدريُّ والسديُّ: (مَعَنْى قَوْلِهِ { مَعِيشَةً ضَنكاً } عَذابُ الْقَبْرِ؛ يَضِيْقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أضْلاَعُهُ)، وقال الحسنُ: (هُوَ الضَّرِيْعُ وَالزَّقُّومُ فِي النَّارِ)، قال عكرمةُ: (هُوَ أكْلُ الْحَرَامِ فِي الدُّنْيَا الَّذِي يُؤَدِّيْهِ إلَى النَّار).

وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: " " أتَدْرُونَ مَا الْمَعِيْشَةُ الضَّنْكَةُ؟ " قَالُواْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: " عَذابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ إنَّهُ لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تَسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيْناً، لِكُلِّ تِنِّيْنٍ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ، يَنْهَشُونَهُ وَيَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَ لَحْمَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ أنَّ تِنِّيْناً نَفَخَ فِي الأَرْضِ لَمْ تُنْبتْ شَيْئاً " " وقال ابنُ زيد: (الْمَعِيْشَةَ الضَّنْكَى: الزَّقُّومُ وَالْغِسْلِيْنُ وَالضَّرِيْعُ)، وقال الضحَّاكُ: (الْكَسْبُ الْخَبيْثُ)، وَقِيْلَ: إذا كان العبدُ سَيِّءَ الظنِّ بالله ضاقَ عليه عيشهُ وَضَنِكَ. وقال ابنُ جبير: (معنى قوله: { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي سَلَبَهُ الْقَنَاعَةَ حَتَّى لاَ يَشْبَعَ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (عَمَى الْبَصَرِ)، وقال مجاهدُ: (أعْمَى عَن الْحُجَّةِ؛ أيْ لاَ حُجَّةَ لَهُ يَهْتَدِي إلَيْهَا)، { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً }؛ بعَيْنَيَّ، { قَالَ كَذٰلِكَ }؛ تكونُ كَمَا { أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا }؛ أي فتَرَكْتَهَا وأعرضتَ عنها، { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ }؛ أي تُتْرَكُ في النار.