الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } * { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ }؛ أي فلمَّا أتَى النارَ أي شجرة خضراءَ من أسفلها إلى أعلاها كأنَّها نارٌ بيضاءُ تَتَّقِدُ، فسمِعَ تسبيحَ الملائكة، ورأى نُوراً عظيماً، فخافَ وتعجَّبَ، وألقِيَتْ عليه السكينةُ، ثُم نودي يا موسى، { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ }؛ وإنَّما كرَّرَ الكنايةَ؛ لتوكيدِ الدلالة، وإزالة الشُّبهة، وتحقيقِ المعرفة. قُرِئَ (إنِّي أنْ رَبُّكَ) بفتحِ الهمزة وكسرِها، فمن فتحَ فعلى معنى بأَنِّي، ومَن كسرَ فعلى معنى الابتداء.

قال وهبُ: (نودي من الشجرةِ، فقيل: يا موسى، فأجابَ سريعاً لا يدري مَن دعاهُ، فقال: إنِّي أسمعُ صوتَكَ فلا أرى مكانكَ، فأين أنتَ؟ قال: أنا فوقكَ ومعك وأمامكَ وخلفك وأقربُ إليك من نفسك، فعَلِمَ أن ذلك لا ينبغي إلاّ لرَبهِ عَزَّ وَجَلَّ، فأيقنَ به). قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ }؛ قال الحسنُ: (إنَّمَا أُمِرَ بخَلْعِ نَعْلَيْهِ لِيَنَالَ قَدَمَاهُ بَرَكَةَ الْوَادِي الْمُقَدَّسِ، وَيُبَاشِرَ تُرَابَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ بقَدَمِهِ، فَيَنَالُهُ بَرَكَتُهَا) وقَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱلْمُقَدَّسِ } أي الْمُطَهَّرِ. قال عكرمةُ: (كَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيْتٍ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى }؛ المقدَّس: هو المطهَّر، وَقِيْلَ: المباركُ، ولا يستدلُّ بما قالَهُ عكرمةُ على أنَّ جلودَ الميتة لا تَطْهُرُ بالدِّباغ؛ لأنه إنْ كانَ كذلك فهو منسوخٌ بقولهِ عليه السلام: " إيَّمَا إهَابٍ دُبغَ طَهُرَ " قَوْلُهُ تَعَالَى: { طُوًى } هو اسم الوادي.