الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }

قَوْلُهُ: { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ }؛ هذا جوابُ قولِ اليهود:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111] ولَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80]. وقولِهم:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] فكذَّبَهم اللهُ وألزمَهم الحجةَ فقال: قل لَهم يا مُحَمَّدُ: { إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ }؛ يعني الجنَّةَ؛ { خَالِصَةً }؛ أي خاصَّةً: وَقِيْلَ: صافيةً، { مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ }؛ أي فاسألُوا اللهَ الموتَ؛ فإنَّ مَن كان بهذه الصفةِ فالموتُ خيرٌ له ولا سبيلَ إلى دخول الجنَّة إلا بعد الموتِ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }؛ أي في قولكم؛ فقولوا: اللهم أمِتنا. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: بعد نزول هذه الآية: " إنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ فِي مَقَالَتِكُمْ فَقُولُواْ: اللَّهُمَّ أمِتْنَا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لاَ يَقُولُهَا رَجُلٌ مِنْكُمْ إلاَّ غَصَّ برِيْقِهِ فَمَاتَ مَكَانُهُ " فأبَوا أن يفعلُوا ذلك.

قال ابنُ عبَّاس: عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ قَالُواْ ذَلِكَ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلاَّ مَاتَ " فَلَمَّا لَمْ يَقُولُواْ ذَلِكَ أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلًّ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ }؛ أي أسلَفَت من المعاصِي وكتمان صِفَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقولهُ: { أَبَداً } يعني هي مدَّةُ العمرِ. وأما بعدَ ذلك فإنَّهم يَتَمَنَّوْنَهُ في الآخرةِ وقتَ مشاهدةِ العذاب. وإنَّما أضافَ إلى الأيدِي؛ لأنَّ أكثر المعاصي تكون باليدِ. { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }.