الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ }؛ أي ثُم أنتم يا هؤلاءِ؛ فحذفَ حرفَ النِّداء للاستغناءِ بدلالةِ الكلام عليه. كقَوْلِهِ تَعَالَى:ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [الإسراء: 3]. وقولهُ: { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } قرأ الحسنُ: (يُقَتِّلُونَ) بالتشديدِ. { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ } ، والآيةُ خطابٌ ليهودِ قريظةَ والنضير؛ كانت بنُو قريظةَ حلفاءَ الأوسِ؛ وبنو النضيرِ حلفاءَ الخزرجِ، فكان كلُّ فريقٍ يقاتلُ الفريقَ الآخر وإذا غلبَهم قتلَهم وسَبَى ذراريهم وأخرجَهم من ديارهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، قرأ أهل الشام وأبو عمرو ويعقوب: (تَظَّاهَرُونَ) بتشديد الظاء، ومعناهُ: يَتَظَاهَرُونَ؛ فأُدغم التاءُ في الظاءِ مثل: (اثَّاقَلْتُمْ) وَ(ادَّارَكُواْ). وقرأ عاصمُ والأعمش وحمزة وطلحة والحسن والكسائي: (تَظَاهَرُونَ) بالتخفيفِ؛ حذفُوا تاءَ التفاعلِ وأبقَوا تاء الخطاب مثلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } [المائدة: 2] ومَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } [الصافات: 25]. وقرأ أُبَي ومجاهدُ وقتادة: (تَظَّهَرُونَ) بالتشديدِ من غيرِ ألِفٍ؛ أي تَتظهَرُونَ. ومعناهما جميعاً واحدٌ: تَعَاوَنُونَ. والظَّهيرَةُ العَوْنُ؛ سُمي بذلك لإسنادهِ ظهرَهُ إلى ظهرِ صاحبه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أي بالمعصيةِ والظُّلم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ }؛ مُتَّصِلٌ بقولهوَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 84] لأن قَوْلَهُ: { وَإِن يَأتُوكُمْ } داخلٌ في الميثاقِ. ومعناهُ: فكُّوا أسراكُم من غيرِكم بالفداءِ. وقرأ السلمي ومجاهدُ وابن كثير وأبو عمرٍو وابن عامر: (أُسَارَى) بالألف، و(تُفْدُوهُمْ) بغير ألف. وقرأ الحسن: (أسْرِي) بغيرِ ألف، (تُفَادُهُمْ) بالألف. وقرأ النخعيُّ وطلحة والأعمش وحمزة (أسْرِي تَفْدُوهُمْ) كلاهما بغير ألف. وقرأ شيبةُ ونافع وعاصم وقتادةُ والكسائي ويعقوب (أُسَارَى تُفَادُوهُمْ) كِلاهما بالألف.

والأُسَارَى: جمعُ أسيرٍ؛ مثل: مريض ومرضَى، وقريع وقرعَى، وقتيلٍ وقتلى. والأَسْرَى: جمع أسير أيضاً، مثل: سُكَارَى وكسالى. ولا فرق بين الأسارَى والأسرَى في الصحيح. قال بعضُهم: المقيَّدون المشدُودون أَسارى، والأَسْرَى: هم المأسورون غيرُ المقيدين. قَوْلُهُ تَعَالَى: (تُفْدُوهُمْ) بالمالِ، و(تُفَادُوهُمْ) أي مفاداة الأسير بالأسير. و(أسْرَى) في موضعِ نصب على الحال.

ومعنى الآيةِ ما قال السديُّ: (إنَّ اللهَ تَعَالَى أخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ فِي التَّوْرَاةِ أنْ لاَ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَلاَ يُخْرِجَ بَعْضُهُمَْ بَعْضاً مِنْ دِيَارهِمْ؛ وَأَيَّمَا عَبْدٍ أوْ أمَةٍ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ فَاشْتَرُوهُ وَأعْتِقُوهُ. وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الأَوْسِ، وَالنَّضِيْرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وَكَانُواْ يُقْتَلُونَ فِي حَرْب سُمَيْرٍ؛ فَيُقَاتِلُ بَنُو قُرَيْظَةَ مَعَ حُلَفَائِهِمْ؛ وَالنَّضِيْرُ مَعَ حُلَفَائِهِمْ، فَإذَا غَلَبُواْ خَرَّبُواْ دِيَارَهُمْ وَأخْرَجُوهُمْ مِنْهَا؛ وَإذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيْقَيْنِ كِلاَهُمَا جَمَعُواْ لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ فِيُعَيِّرُونَهُمُ الْعَرَبُ بذَلِكَ؛ فَيَقُولُونَ: كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتُفْدُونَهُمْ؟ فَيَقُولُونَ: إنَّا قًَدْ أُمِرْنَا أنْ نَفْدِيَهُمْ؛ وَحُرِّمَ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ. قَالُواْ: فَلِمَ تُقَاتِلُونَهُمْ؟ قَالُواْ: إنَّا نَسْتَحِي أنْ يَسْتَذِلَّ حُلَفَاؤُنَا؛ فَذَلِكَ حِيْنَ عَيَّرَهُمْ اللهُ تَعَالَى).

وقال: { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } وفي الآية تقديم وتأخيرٌ؛ تقديره: { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } (وَإنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تَفْدُوهُمْ).

السابقالتالي
2