الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } قال مجاهد والفرَّاء: (هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ يَعْنِي التَّوْرَاةَ؛ وَمَا يُفَرَّقُ بهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ). وقد سَمَّى الله تعالى التوراة فرقاناً في موضعٍ آخر وهو قَوْلُهُ تَعَالَى:وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً } [الأنبياء: 48]، وسَمَّى اللهُ النُّصرة يوم بدرٍ على الكفار فُرقاناً كما قال:وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [الأنفال: 41] أراد به يوم بدرٍ؛ وإنَّما عطفَ الشيء على نفسه وكرَّره؛ لأن العرب تكرِّر الشيء إذا اختلفَ ألفاظه، قال عنترةُ:
حُيِّيْتُ مِنْ ظُلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ   أقْوَى وَأقْفَرَ بَعْدَ أَمِّ الْهَيْثمِ
وقال الكسائيُّ: الفرقانُ: بعثُ الكتاب؛ يريد: { وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانُ }. والفرقانُ: فرقٌ بين الحلالِ والحرامِ؛ والكفرِ والإيمان؛ والوعْدِ والوعيد؛ فزيدت الواوُ فيه كما تزادُ في النعوت؛ من قولهم: فلانٌ حسنٌ وطويلٌ. ودليلُ هذا التأويلِ:ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 154]. وقال قطربُ: (أرَادَ بالْفُرْقَانِ: الْقُرْآنَ).

وفي الآيةِ إضمارٌ معناهُ: وإذا آتينا موسى الكتاب ومُحَمَّداً الفرقانَ. قوله تعالى: { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي بهذين الكتابين، وقال بعضُهم: أراد بالفرقانِ انفراق البحرِ وهو من عظيمِ الآيات، يدلُّ عليه قوله تعالى:وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [البقرة: 50].