الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً }؛ يعني آدمَ وذريَّتَهُ. واختَلَفُوا في معنى الخليفة، فروي: أنَّ رَجُلاً سَأَلَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَكَعْباً وَسَلْمَانَ: مَا الْْخَلِيْفَةُ؛ وما الْمَلِكُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ: (مَا نَدْرِي) وَقَالَ سَلْمَانُ: (الْخَلِيْفَةُ: هُوَ الَّذِي يَعْدِلُ فِي رَعِيَّتِهِ وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بالسَّوِيَّةِ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِمْ شَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى أهْلِهِ وَالْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ؛ وَيَقْضِي بِكِتَاب اللهِ تَعَالَى). فَقَالَ كَعْبٌ: (مَا كُنْتُ أحْسَبُ أنَ أحَداً يُفَرِّقُ الْخَلِيْفَةَ مِنَ الْمَلِكِ غَيْرِي؛ وَلَكِنَّ اللهَ مَلأَ سَلْمَانَ عِلْماً وَحِلْماً وَعَدْلاً).

وروي أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لِسَلْمَانَ: أمَلِكٌ أنَا أمْ خَلِيْفَةٌ؟ قَالَ سَلْمَانُ: (إنْ أنْتَ جَبَيْتَ أرْضَ الْمُسْلِمِيْنَ دِرْهَماً أوْ أكْثَرَ أوْ أقلَّ؛ وَوَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ!! فَأَنْتَ مَلِكٌ. وَإنْ أنْتَ فَعَلْتَ بالْعَدْلِ وَالإنْصَافِ فَأَنْتَ خَلِيْفَةٌ) فَاسْتَغْفَرَ عُمَرُ رضي الله عنه.

وروي أنَّ مُعَاويَةَ كَانَ يَقُولُ إذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْخِلاَفَةَ لَيْسَتْ بجَمْعِ الْمَالِ وَلاَ تَفْرِيْقِهِ؛ وَلَكِنَّ الْخِلاَفَةَ الْعَمَلُ بالْحَقِّ؛ وَالْحُكْمُ بالْعَدْلِ؛ وَأَخْذُ النَّاسِ بأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا }؛ أي يَعصِيكَ فيها؛ { وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }؛ أي نُبَرِّيك من السُّوء ونُصَلِّي لكَ ونطهِّرُ أنفسَنا لكَ. وَقِيْلَ: اللامُ في { نُقَدِّسُ لَكَ } زائدةٌ؛ أي نقدِّسُك.

وقُوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، أي أعلمُ أنه سيكون فيهم أنبياءٌ وقومٌ صالِحون يسبحُون بحَمْدِي ويقدِّسُونَ لِي ويطيعونَ أمْرِي. وروي: (أنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الأَرْضَ جَعَلَ سُكَّانَهَا الْجِنَّ بَنِي الْجَانِ؛ وَجَعَلَ سُكَّانَ السَّمَاوَاتِ الْمَلاَئِكَةَ؛ لأَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ عِبَادَةٌ أهْوَنُ مِنَ الَّتِي فَوْقَهَا، وَكَانَ إبْلِيْسُ مَعَ جُنْدٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا؛ وَكَانَ رَئِيْسُهُمْ واسْمُهُ عَزَازيْلُ. فَلَمَّا أفْسَدَتِ الْجِنُّ بَنِي الْجَانِ الَّذِيْنَ سَكَنُواْ الأَرْضَ فِيْمَا بَيْنَهُمْ وَسَفَكُواْ الدِّمَاءَ وَعَمِلُواْ الْمَعَاصِي بَعَثَ اللهُ إلَيْهِمْ إِبْلِيْسَ مَعَ جُنْدِهِ؛ فَهَبَطُواْ إلَى الأَرْضِ وَأجْلَواْ الْجِنَّ مِنْهَا؛ وَألْحَقُوهُمْ بجَزَائِرِ الْبحَار؛ وَسَكَنَ إِبْلِيْسُ وَالْجُنْدُ الَّذِيْنَ مَعَهُ فِي الأَرْضِ. فَلَمَّا أرَادَ اللهُ أنْ يَخْلُقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ؛ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ الَّذِيْنَ كَانُواْ مَعَ إبْلِيْسَ فِي الأرْضِ: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً }. فَتَعَجَّبُواْ مِنْ ذَلِكَ؛ وَ { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } كَمَا فَعَلَتِ الْجِنُّ بَنُو الْجَانِ { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } فَلَمَّا قَالُواْ هَذَا الْقَوْلَ خَرَجَتْ لَهُمْ نَارٌ مِنَ الْحُجُب وَاحْتَرَقَتْ عَشْرَةُ آلاَفِ مَلَكٍ مِنْهُمْ وَأعْرَضَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ عَنِ الْبَاقِيْنَ حَتَّى طَافُواْ حَوْلَ الْعَرْشِ سَبْعَ سِنِيْنَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ اعْتِذَاراً إلَيْكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا }؛ وذلك أنَّ الله لَمَّا قال للملائكةِ: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } قَالُواْ فِيْمَا بَيْنَهُمْ: يَخْلِقُ رَبُّنَا مَا يَشَاءُ؛ فَلَنْ يَخْلِقَ خَلْقاً أفْضَلَ وَلاَ أكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا.

السابقالتالي
2