الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ }؛ الآية، لَمَّا سبقَ في السورة ذكرُ أحكامٍ كثيرة أثنى اللهُ على مَن آمن بها وقَبلَهَا، وقال عَزَّ من قائلٍ: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ } بجميعِ الأحكامِ التي أنزلَها اللهُ تعالى، وكذلك المؤمنونَ كلُّهم آمنوا باللهِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَلاۤئِكَتِهِ }؛ إنَّما أتى بالملائكةِ لأن حَيّاً من خُزاعة كانوا يقولون: الملائكةُ بناتُ اللهِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: " وَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ: إنَّ الْمَلاَئِكَةَ عِبَادُ اللهِ ".

قولهُ: { وَكُتُبِهِ }؛ قرأ ابن عباس وعكرمةُ والأعمش وحمزة والكسائيُّ وخَلَفُ: (وَكِتَابهِ) بالألفِ. وقرأ الباقون (وَكُتُبهِ) بالجمعِ، وهو ظاهرٌ كقوله { وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسِلِهِ }. وللتوحيدِ وجهان؛ أحدُهما: أنَّهم أرادوا القرآنَ خاصَّةً، والثاني: أنَّهم أرادوا جميعَ الكُتُب؛ كقول العرب: كَثُرَ الدرهمُ والدينار في أيدي الناسِ، يريدون الدراهمَ والدنانيرَ. يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى:فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ } [البقرة: 213].

وقَوْلُهُ تََعَالَى: { وَرُسُلِهِ }؛ قرأ الحسن: (وَرُسْلِهِ) بسكونِ السين لكثرةِ الحركات؛ { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ }؛ أي لا نفعلُ كما فعلَ أهلُ الكتاب آمنوا ببعضِ الرسل وكفروا ببعضٍ. وفي مُصحفِ عبدِالله: (لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ). وقرأ جُرير بن عبدالله وسعيدُ بن جبيرٍ ويحيى بن يَعْمُرَ ويعقوبُ: (لاَ يُفَرِّقُ) بالياءِ، بمعنى لا يفرِّقُ الكلَّ، ويجوزُ أن يكون خبراً عن الرسولِ. وقرأ الباقون بالنون على إضمار القولِ؛ تقديرهُ: قالوا لا نُفَرِّقُ، كقولهِ تعالى:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23-24]؛ أي يقولون: سلامٌ عليكم.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }؛ أي سَمعنا قولَك وأطَعنا أمرَكَ. وقيل: معنى { وَأَطَعْنَا } قَبلْنَا ما سَمعنا؛ بخلافِ ما قالتِ اليهودُ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }؛ أي اغْفِرْ غُفْرَانَكَ يَا رَبَّنَا. وقيل: معناهُ: نسألُكَ غفرانَك. والأول مصدرٌ، والثاني مفعولٌ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } أي نحنُ مقرُّون بالبعثِ. ومعنى قوله: { وَإِلَيْكَ } أي إلى جَزَائِكَ؛ وهذا كما قالَ عَزَّ وَجَلَّ حكايةً عن إبراهيمَ عليه السلام:إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الصافات: 99] أي إلى حيثُ أمرُ رَبي.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ }؛ قرأ إبراهيمُ بن أبي عبلةَ: (إلاَّ وَسِعَهَا) بفتحِ الواو وكسرِ السين على الفعلِ؛ يريدُ إلا وَسِعَهَا أمرُهُ.

ومعنى الآيةِ: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً } فَرْضاً من فروضها من صومٍ أو صلاة أو صدقةٍ أو غير ذلك من حديثِ النفسِ؛ إلا مقدارَ طاقتها كما قالَ صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: " صَلِّ قَائِماً؛ فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً؛ فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبكَ تُومِئُ إيْمَاءٌ ".

قال قومٌ: لو كلَّفَ اللهُ العبادَ فوقَ وسعِهم لكان ذلك لهُ؛ لأن الخلقَ خلقهُ والأمرَ أمره، ولكنه أخبرَ أنه لا يفعلهُ.

السابقالتالي
2 3 4