الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ }؛ هذا تحذيرٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ أن يوافي العبادُ ذلك اليومَ على غِرَّةٍ وغفلةٍ وتقصيرٍ في أوامر الله ومخالفتهِ فيما أحلَّ الله وحرَّم، يقول: اخْشَوا عذاب يومٍ ترجعون فيه إلى جزاءِ الله.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }؛ أي توفَّى كلُّ نفسٍ جزاءَ ما عملت من خيرٍ أو شرٍّ، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا يُنقصُ من حسناتِهم ولا يُزاد في سيئاتِهم.

قرأ أبو عمرٍو ويعقوبُ: (تَرْجِعُونَ) بفتح التاء، واعتبرهُ بقراءة أُبَيّ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تَصِيْرُونَ فِيهِ إلَى اللهِ). وقرأ الباقون (تُرْجَعُونَ) بضمِّ التاء، اعتباراً بقراءة عبدِالله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرَدُّونَ فِيهِ إلَى اللهِ).

قال ابنُ عباس: (هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَذلِكَ أنَّهُ لَمَّا حَجَّ الْبَيْتَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيْلُ عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ بعَرَفَةَ بقَوْلِهِ تَعَالَى:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] الآيَةُ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةُ { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ }. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ضَعْهَا عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيْنَ وَمِائَتَي آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقُبضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ بتِسْعَةِ أيَّامٍ).

قال المفسرونَ: " لَمَّا نزلَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } قَالَ: " يَا لَيْتَنِي أعْلَمُ مَتَى ذلِكَ " فأنزلَ اللهُ هذه الآية { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ، قَالَ: " أمَا إنَّ نَفْسِي نُعِيَتْ إلَيَّ " ثم بَكى بكاءً شديداً، فقيلَ لهُ: يا رسولَ اللهِ، أتبكي من الموتِ وقد غُفِرَ لك ما تقدَّمَ من ذنبكَ وما تأخرَ؟! فَقَالَ: " وَأيْنَ خَوْفُ الْمَطْلَعِ، وَأيْنَ ضِيْقُ الْقَبْرِ وَظُلْمَةُ اللَّحْدِ، وَأيْنَ الْقِيَامَةُ وَالأَهْوَالُ " فعاشَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولِ هذه الآيةِ عاماً؛ ثم نزل قوله:لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] فعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية عَامَهَا بستةِ أشهرٍ.

ثم لَمَّا خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى حَجَّةِ الوداعِ نزلَ عليه في الطريقِيَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } [النساء: 176] إلى آخرِها، ثم نزلَ بعدَها وهو واقفٌ بعرفةَأَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] الآيةُ، فعاشَ بعدها إحدَى وثَمانينَ ليلةً، ثم نزل بعدَها آياتُ الرِّبَا. ثم نزلَ بعد ذلكَ { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } وهي آخرُ آيةٍ نزلت، فعاشَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدَها إحدَى وعشرين ليلةً، قال ابن جُريج: (تِسْعَ لَيَالٍ). وقال ابن جُبير ومقاتلُ: (سَبْعَ لَيَالٍ). ثم ماتَ يومَ الاثنينِ لليلتين مضت من شهرِ ربيعٍ الأول حينَ زاغَتِ الشمسُ سنةَ إحدَى عشرةَ من الهجرةِ.