الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }؛ أي إن لم تقبَلُوا أمرَ الله ولم تُقِرُّوا بتحريمِ الربا ولم تتركوهُ، فاعلموا أنكم كفَّارٌ يحاربكم اللهُ ورسوله؛ أي يعذِّبكم الله في الآخرة بالنار؛ ويعذِّبكم رسولهُ في الدنيا بالسَّيْفِ. والإذْنُ: الإعْلاَمُ، ومن قرأ (فَأْذِنُوا) أي فأعلِمُوا أصحابَكم المتمسكينَ بمثل ما أنتُمْ عليه: أنَّ مَنْ عامَلَ بالربا مستحِلاً له حاربَهم اللهُ ورسوله.

وقيل: معنَى الآيةِ: فإن لم تتركُوا ما بقيَ من الربا بعد نزولِ الأمر بتركهِ { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }.

ومثلُ هذا اللفظ لا يوجبُ الإكفارَ؛ لأن لفظَ محاربة الله ورسولهِ يُطلق على ما دونِ الكفر كما في آية قُطَّاعِ الطريقِ. وهذا الحكمُ في آية الربا إنَّما هو مستقيمٌ إذا اجتمعَ أهل بلدة لهم مَنَعَةٌ وقوَّةٌ على المعاملةِ بالربا وكانوا محرِّمين له، فإن الإمامَ يستتيبُهم؛ فإن تابوا وإلا قاتلَهَم. وأما إذا عامَلَ واحد أو جماعةٌ قليلٌ عددهم معاملةَ الربا، فإن الإمام يستتيبُهم؛ فإن تابوا وإلا زَجَرَهم وحبسَهم إلى أن يُظهروا توبتهم. وقد روي عنِ ابن عباس وقتادةَ والربيعِ فيمن أرْبَا: (أنَّ الإمَامَ يَسْتَتِيْبُهُ، فَإنْ تَابَ وإلاَّ قَتَلَهُ). فهذا محمولٌ على أن يفعله مُستحلاً له؛ لأنه على خلافَ بين العلماء أنه ليسَ بكافرٍ إذا اعتقدَ تحريْمَه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون }؛ أي فإن رجعتُمْ عن استحلالِ الربا وأقررتُم بتحريْمهِ. ويقال: إنْ تُبْتُمْ عن معاملةِ الربا { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ } التي أسلفْتُموها بني المغيرةِ، { لاَ تَظْلِمُونَ } بطلب الزيادة على رأسِ المال، { وَلاَ تُظْلَمُون } بحبسِ رأس المال عنكم.

قال ابنُ عباس: (فَلَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ، كَتَبَ بهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عَتَّابٍ، فَقَرَأهُمَا عَلَى ثَقِيْفٍ فَقَالُواْ: بَلَى، نَتُوبُ إلَى اللهِ فَإنَّهُ لإيْذَانٌ لَنَا بحَرْب اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ طَلَبُواْ رُؤُوسَ أمْوَالِهِمْ مِنْ بَنِي الْمُغِيْرَةِ، فَقَالَتْ بَنُو الْمُغِيْرَةِ: نَحْنُ الْيَوْمَ أهْلُ عُسْرٍ وَأخِّرُونَا إلَى أنْ تُدْرَكَ الثِّمَارُ، فَأَبَواْ أنْ يُؤَخِّرُوهُمْ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ }؛ أي إن كان المطلوبُ ذا ضيقٍ وشدَّةٍ؛ فتأخيرهُ إلى سَعَةٍ ويَسَارٍ.

وروي عن ابنِ عباس وشريحٍ وإبراهيم: (أنَّ الإنْظَارَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الدَّيْنِ، يَعْنِي دَيْنَ الرِّبَا خَاصَّةً). وكان شُرَيْحٌ يحبسُ المعسرَ في غيره من الديون. وعن أبي هريرةَ والحسنِ والضحَّاك: (أنَّ ذلِكَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ دَيْنٍ) وهذا هو الأَصحُّ؛ لأنَّ نزولَ الآية في رأسِ مال الربا لا يَمنعُ اعتبارَ سائرِ الديون بها بالاستدلال والقياسِ.

وذهبَ بعض النحويِّينَ: إلى أن الرفعَ في قوله { ذُو عُسْرَةٍ } دليل على أنه ابتداءٌ على معنى: وإن وقعَ ذو عسرةٍ، أو وجد ذو عسرة، ولو كان مختصّاً هذا بالربا لقال: وإنْ كان ذَا عُسْرَةٍ، بالنصب.

السابقالتالي
2