الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ }؛ أي الشيطانُ يَعِدُكُمْ بالفقرِ فحذفَ الباءَ كقولِ الشاعرِ:
أمَرْتُكَ الْخَيْرَ لَكِنْ مَا ائْتَمَرْتَ بهِ   فَقَدْ تَرَكْتَ ذا مَالٍ وَذا نَشَبٍ
ويقال: وَعَدْتُهُ خَيْراً؛ وَوَعَدْتُهُ شَرّاً، وقالَ اللهُ تعالى في الخيرِ:وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً } [الفتح: 20] وقال في الشَّرِّ:ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الحج: 72] وإذا لم تَذْكُرِ الخيرَ والشرَّ؛ قُلْتَ في الخيرِ: وَعَدْتُهُ؛ وفي الشرِّ: أوْعَدْتُهُ. قال الشاعرُ:
وَإنِّي إذا أوْعَدْتُهُ أوْ وَعَدْتُهُ   لَمُخْلِفٌ مِيْعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
ومعنى: { يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ } أي يخوِّفُكم الفقرَ بالنفقةِ في وجوهِ البرِّ وإنفاقِ الجيِّد من المالِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } أي بالبخلِ ومنعِ الزكاة، وزَعَمَ الكلبيُّ أن كلَّ فَحشاءٍ في القرآن فهو زنَا إلا في هذه الآيةِ، وإنما سُمي منعُ الزكاة فحشاءً؛ لأن العربَ تسمي البخيلَ فاحشاً؛ والبخلَ فحشاءً. والفقرُ: سُوءُ الحالِ وقلةُ ذاتِ اليد، وفيه لغتان: الْفَقْرُ وَالْفَقُرُ، كالضَّعفِ والضُّعفِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً }؛ أي { مَّغْفِرَةً } لذنوبكم بالإنفاقِ من خِيَار الأموالِ، { وَفَضْلاً } أي خلفاً في الدُّنيا والآخرةِ، { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }؛ يوسِعُ الرزقَ والخلفَ والمثوبةَ، ويعلمُ حيث ينبغي أن تكونَ السَّعَةُ، قال ابنُ عباس وابن مسعودٍ: (ثِنْتَانِ مِنَ اللهِ وَثِنْتَانِ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَمِنَ اللهِ الْمَغْفِرَةُ وَالْفَضْلُ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ الْفَقْرُ وَالْفَحْشَاءُ). ووعدُ الشيطانِ وَسَاوسُ وتَخَيُّلٌ؛ أي يُخَيِّلُ إلَيْكَ أنَّكَ إنْ أمْسَكْتَ مالَكَ استغنيتَ، وإن تصدقتَ به افتقرتَ.