الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ }؛ أي ألَمْ تعلم يا محمدُ بالذي جادلَ إبراهيمَ في ربه؛ أي هل رأيتَ كالذي { حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } أي بأن أعطاهُ الله الملكَ وأُعجب بملكه وسلطانه وهو نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ أوَّل من تجبَّر في الأرضِ بادعاء الرُّبُوبيَّةِ فَخاصمَ إبراهيمَ في توحيدهِ. وقيل: إنَّّ الهاءَ في قوله { آتَاهُ } راجعةٌ إلى إبراهيمَ عليه السلام، و { ٱلْمُلْكَ } هو النبوَّة ووجوبُ طاعتهِ على الناس.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }؛ وذلك أن نَمْرُودُ قال لإبراهيم: مَنْ رَبُّكَ؟ قال: { إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } عند انقضاءِ الأجل. فـ { قَالَ }؛ نَمْرُودُ: { أنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } قالَ إبراهيمُ: ائتني ببيانِ ذلك؟ فأتَى برجلين من سجنهِ وجبَ عليهما القتلُ؛ فقتلَ أحدهما وتركَ الآخر. فقال: هذا قد أحييتهُ، وهذا قد أمَتُّهُ. { قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ }؛ أي تَحيَّر وانقطعَ بما ظهرَ عليه من الحجَّة، { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }؛ أي لا يرشِدُ المشركينَ إلى دينه وحجَّته.

فإن قيل: لِمَ لَمْ يَثْبُتْ إبراهيمُ على الحجَّة الأولى؛ والانتقالُ من الحجة إلى حجَّةٍ أخرى في المناظرةِ غيرُ محمودٍ؟ قيل: عنهُ أجوبةٌ:

أحدُها: أن إبراهيم كان داعياً ولم يكن مُناظراً، فمى كان يراهُ أقربَ إلى الهداية أخذَ به.

والثاني: أنه روي أنه قالَ لنمرود: إنكَ أمَتَّ الحيَّ ولم تُحْيي الميَّتَ، والانتقالُ بعد الإلزامِ محمودٌ.

والثالث: أن نَمرودَ كان عالماً أن ما ذكرهُ ليس بمعارضةٍ وكان مَن حوله من أصحابهِ يوقنون بكذبهِ في قوله: { أنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } لكن أرادَ التمويهَ على أغمَار قومه كما قال فرعونُ للسحرة حين آمنوا: أن هذا المكرَ مكرتُموه في المدينةِ، كذلك فعلَ نَمرودُ بقوله: { أنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ }. فتركَ إبراهيم إطالةَ الكلامِ، وعَدَلَ إلى حجَّةٍ مسكتةٍ لا يُمكنه التمويهُ فيها.

فإن قيل: فهلاَّ قال نَمرود لإبراهيمَ: إن مجيءَ الشمس هو العادةُ؟ فقُلْ لربك حتى يأتي بها من المغرب! قيل: عَلِمَ لِمَا رأى من المعجزات التي ظهرت أنهُ لو سأله ذلك لأتى بهِ. فكان يزدادُ فضِيحة عند الناسِ. وقيل: خَذَلَهُ عن هذا القولِ، فلم يُوَفَّق للسؤالِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ } البُهْتُ في اللغة: هي مُوَاجَهَةُ الرجلِ بالكذب عليه؛ يقال: بَهَتَ يَبْهَتُ بُهتاناً، وبَاهَتَ يُبَاهِتُ مُبَاهَتَةً. وفي الحديثِ: " إنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ " أي كَذَبَةٌ. والبهتُ الحيرة عند انقطاعِ الحجة أيضاً. وفيه لغاتٌ: بَهَتَ وبَهِتَ وبُهِتَ، وأجودها بُهِتَ بضمِّ الباء.