الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }؛ ذكر وحدانيةِ الله تعالى وصفتهِ؛ لِيُعْلِمَ أنَّ مَن كان بهذه الصفةِ لا يخفى عليه كُفْرُ مَن كَفَرَ ومعصيةُ من عصَى؛ فيجازي كُلَّ عابدٍ على مَا عَمِلَ. فأولُ هذه الآية نفيُ معبودِ الكفَّار وإثباتُ معبودِ المؤمنين؛ وإثباتُ الشيءِ مع نفي غيرهِ أبلغُ في الإثبات، كأنه قالَ: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } دون غيرهِ، وهو المعبودُ لا معبودَ للخلقِ سواهُ.

ومعنى { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الدائمُ الذي لا يَموت موصوفٌ بالبقاءِ على الأبدِ، وبه حَيَّى كلَّ حيٍّ. وأما القيومُ فهو القائمُ بتدبيرِ الخَلْقِ في شأنِهم وأرزاقِهم وأعمالهم وآجالِهم ومجازاتِهم على عملهم، وقيل: معنى القيومُ العالِمُ بالأمور من قولهم: فلانٌ يقومُ بهذا الكتاب؛ أي يُحسنه ويعلمُ ما فيه. وقيل: معنى { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الدائمُ الذي لا يزولُ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }؛ أي لا يأخذه نُعَاسٌ ولا نوم. والنُّعَاسُ: اسمٌ لأوَّلِ ما يدخلُ في الرأسِ من النومِ قبل وصولِه إلى القلب. والنومُ هو الذي يصلُ إلى القلب فيُستثقَلُ. ومعنى الآية: لاَ يغفلُ عن تدبيرِ الخلق، فإن قيل: ما معنى نفي النومِ بعد نفي النعاسِ؟ قلنا: مثلُ هذا اللفظِ إنَّما يكونُ لنفي قليلِ النوم وكثيرهِ، ونظيرهُ قول العرب: فلانٌ لا يَملكُ قليلاً ولا كثيراً.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }؛ أي هو مالك السموات والأرض وما فيهما، كلهم عبيده وإماؤه وتحت قبضته وقدرته.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }؛ هذا جواب عن قول المشركين في أصنامهم:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] ومَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]؛ أي لا يشفع أحدٌ لأحد عند اللهِ إلا بأمره ورضائه، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض بالدعاء، وكما يشفع الأنبياء للمؤمنين.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }؛ أي { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمرِ الآخرةِ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } مِن أمر الدنيا. قال مجاهدُ: على العكسِ من هذا. وقيل: يعلمُ الغيبَ الذي تَقَدَّمَهُمْ والذي يكونُ بعدَهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ }؛ أي لا يعلمونَ الغيبَ لا مِمَّا تقدَّمَهم ولا مِمَّا يكون بعدَهم إلا بما شاءَ اللهُ أن يعلموه، وهو ما أنْبَأَ به الأنبياءَ صلواتُ اللهِ عليهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ }؛ قال ابن عباس: (كُرْسِيُّهُ: عِلْمُهُ)، فَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وقيل: وَسِعَتْ قدرتهُ التي يُمسك بها السماوات والأرضَ. وقال الحسنُ: (الْكُرْسِيُّ: هُوَ الْعَرْشُ)، ويقال: هو سريرٌ دونَ العرشِ، ويقال: هو مكانٌ خَلَقَ اللهُ فيه السمواتِ والأرضَ. وقال عطاءُ والكلبي ومقاتلُ: (السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُونَ السَّبْعُ تَحْتَ الْكُرْسِيِّ فِي الصِّغَرِ كَحَلَقَةٍ فِي فَلاَةٍ)

وقال الكلبيُّ: (يَحْمِلُ الْعَرْشَ أرْبَعَةُ أمْلاَكٍ، لِكُلِّ مَلَكٍ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ؛ وَجْهُ إنْسَانٍ، وَوَجْهُ ثَوْرٍ، وَوَجْهُ أسَدٍ، وَوَجْهُ نَسْرٍ.

السابقالتالي
2