الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً }؛ معنَاها: لَمَّا خرجُوا واصطفُّوا لِمحاربةِ جالوتَ وجنوده، قالوا: ربَّنا أصْببْ علينا الصَّبْرَ صَبّاً، { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا }؛ في أماكِنها في الحرب بتقويةِ قلوبنا، { وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }؛ أي أعِنَّا على قومِ جالوتَ بإلقاء الرُّعب في قلوبهم، { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }؛ في هذا الحالِ؛ لأنَّ ذكرَ الهزيْمةِ بعد سؤالِ النصر يدلُّ على إجابةِ الدعاء، كأنَّ الله تعالى قال: فاستجابَ اللهُ دعاءَهم فهزموهُم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ }؛ قال المفسرونَ: لَمَّا عبرَ طالوتُ ومن معه النهرَ، كان من جُملة من عبَر معهم أبو داودَ عليه السلام واسْمهُ إيشا في ثلاثةَ عشر ابناً له وكان داودُ أصغرَهم، ثم إنَّ جالوت أرسلَ إلى طالوت: أنْ أرسِلْ إلَيَّ مَن يقابلني، فإنْ قتلنِي فلكم مُلكي، وإن قتلتهُ في ملكُكم. فشُقَّ ذلك على طالوتَ ونادى في عسكرهِ: مَن قتلَ منك جالوتَ زوَّجتهُ ابنتي وأعطيتهُ نصفَ مملكتِي، فلم يُجِبْ أحدٌ منهم وَهَابَ الناسُ جالوتَ، فسألَ طالوتُ نبيَّهم أن يدعو اللهَ، فدعا اللهَ تعالى، فأتى بقرنٍ فيه دهنٌ فقيل لهُ: إن صاحبَكم الذي يقتلُ جالوت هو الذي يَضَعُ هذا القرنَ على رأسهِ فيغلِي الدهنُ، فدعا طالوتُ بني إسرائيل فجرَّبَهم، فلم يوافق ذلك منهم أحدٌ، فأوحى الله إلى نبيِّهم أنَّ في أولاد إيشا مَن يقتلُ جالوتَ، فدعا طالوتُ إيشا وقال لهُ: اعرضْ عليَّ أولادَكَ، فأخرجَ له اثنا عشر رجلاً أمثال الاسطواناتِ، وفيهم رجلٌ فارع عليهم، فجعل يعرِضُهم على القرنِ، فلم يَرَ شيئاً، فلم يزل يردِّدُ القرنَ على ذلك الجسيمِ حتى أُوحى إليه أنَّا لا نأخذُ الرجالَ على قدر صورهم، بل على إصلاحِ قلوبهم، فقُل لإيشا: هل لكَ ولدٌ غيرُهم؟ فقالَ: لاَ، فقال: رَب إنه زعمَ أنه لا ولدَ له غيرهم، فقال: كَذَبَ. فقال له: إنَّ ربك كذَّبَك، فقال: صدقَ اللهُ، إن لي ابناً صغيراً يقال له داودُ اسْتَحَيْتُ أن يراهُ الناس لقِصَرِ قامته وحقارتهِ، فجعلتهُ في الغنم يرعى وهو في شِعْب كذا، وكان داودُ عليه السلام قَصِيراً مشقاً أزْرَقاً، فخرجَ طالوتُ في طلبه، فوجدَ الوادي قد سَالَ بينه وبين الزريبةِ التي كان يريحُ إليها الغنمَ، فوجده يحملُ شاتين يجوزُ بهما السيلَ ولا يخوضُ بهما الماءَ، فلما رآهُ قال: هذا هوَ لا شكَّ فيه، هذا يرحمُ البهائمَ فهو بالناس أرحمُ. فدعاه فوضعَ القرنَ على رأسه؛ ففاضَ، قال: هل لكَ أن تقتلَ جالوت وأزوِّجُك بابنتي وأعطيكَ نصف مملكتي، قال: نَعَمْ، قال له: فهل جرَّبت نفسكَ في شيء، قال: نعم؛ وقعَ الذئبُ في غنمي فضربتهُ ثم أخذتُ برأسه وجسدهِ وقطَعت رأسه من جسدهِ، فقال له طالوتُ: إن الذئبَ ضعيفٌ، فهل جربتَ نفسكَ في غيره، قال: نعم؛ دخلَ الأسدُ في غنمي؛ فضربتهُ وأخذت بلحييه فشققتُهما.

السابقالتالي
2