الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

وقوله عزَّ وَجَل: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }؛ أي ألَمْ تعلم يا محمدُ بالملإ من بني إسرائيلَ. والملأُ من القوم: أشرافُهم ووجوهُهم يجتمعون للمشاورةِ. وجمعهُ الأَمْلاَءُ؛ واشتقاقهُ مِن مَلأْتُ الشيءَ؛ لا واحدَ له من لفظهِ كالإبلِ والخيلِ والجيشِ والقومِ والرهطِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِن بَعْدِ مُوسَىۤ } أي مِن بعدِ وفاة موسَى، وقولهُ: { إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا } اختلفُوا فيه مَن هو؟ قال قتادةُ: (هُوَ يُوشُعُ بْنُ نُونِ بْنِ افْرَاتِيْمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ). وقال السديُّ: (هُوَ شَمْعُونَ). وقد كان بعدَ يوشع، وإنما سُمي سَمعون لأن أُمَّهُ دعتِ الله عَزَّ وَجَلَّ أن يرزقَها غُلاماً فاستجابَ الله دعاءها، فولدت غلاماً فسمَّته سَمعون، وقالت: قد سَمِعَ اللهُ دعائي، فلأجلِ ذلكَ سَمته سمعون. والسينُ في لغة العبرانية شينٌ، فهو بالعبرانيةِ شَمعون وبالعربية سَمعون. وقال الكلبيُّ ومقاتل وسائرُ المفسرين: (هُوَ إشْمُوِيلُ بْنُ هَلْقَانَا، وَبالْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: إسْمَاعِيْلُ بْنُ بَالِي وَهُوَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ عليه السلام).

وقال الكلبيُّ: (وَسَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إيَّاهُ: أنَّهُ لَمَّا مَاتَ مُوسَى عليه السلام خَلَفَ بَعْدَهُ فِي بَنِي إسْرَائِيْلَ يُوشُعُ بْنُ نُونٍ يُقِيْمُ فِيْهِمُ التَّوْرَاةَ وَأمْرَ اللهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ خَلَفَ فِيْهِمْ حِزْقِيْلَ كَذَلِكَ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَعَظُمَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيْلَ الأَحْدَاثُ فَنَسُواْ عَهْدَ اللهِ تَعَالَى حَتَّى عَبَدُواْ الأَوْثَانَ، فَبَعَثَ اللهُ إلَيْهِمْ إلْيَاسَ عليه السلام نَبيّاً فَجَعَلَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ، ثُمَّ خَلَفَ بَعْدَ إلْيَاسَ عَلَيْهِمْ الْيَسَعَ وَكَانَ فِيْهِمْ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ؛ فَعَظُمَتْ فِيْهِمْ الأَحْدَاثُ وَكَثُرَتْ فِيْهِمْ الْخَطَايَا وَظَهَرَ لَهُمْ عَدُوٌّ يُقَالُ لَهُ: البلساياء وَهُمْ قَوْمُ جَالُوتَ، وَكَانُواْ يَسْكُنُونَ سَاحِلَ الرُّومِ بَيْنَ مِصْرَ وَفِلَسْطِيْنَ؛ وَهُمْ الْعَمَالِقَةُ. فَظَهَرُواْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيْلَ وَغَلَبُوهُمْ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ أرَاضِيْهِمْ وَسَبَواْ كَثِيْراً مِنْ ذرَاريْهِمْ، فَضَرَبُواْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَلَقُواْ مِنْهُمْ بَلاَءً شَدِيْداً. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَبِيٌّ يُدَبِرُ أمْرَهُمْ، فَكَانُواْ يَسْأَلُونَ اللهَ تَعَالَى أنْ يَبْعَثَ لَهُمْ نَبيّاً يُقَاتِلُونَ مَعَهُ. وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ قَدْ هَلَكُواْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاَّ امْرَأَةً حُبْلَى، فَأَخَذُوهَا وَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ خِشْيَةَ أنْ تَلِدَ أُنْثَى فَتُبْدِلُهَا بغُلاَمٍ، لِمَا تَرَى مِنْ رَغْبَةِ بَنِي إسْرَائِيْلَ فِي وَلَدِهَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأةُ تَدْعُو اللهَ أنْ يَرْزُقَهَا غُلاَماً، فَوَلَدَتْ غُلاَماً فَسَمَّتْهُ اشْمُوِيْلُ أيْ إسْمَاعِيْلُ. وَكَبُرَ الْغُلاَمُ فَتَعَلَّمَ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَفِلَهُ شَيْخٌ مِنْهُمْ. فَلَمَّا بَلَغَ أنْ يَبْعَثَهُ اللهُ نَبيّاً أتَى جِبْرِيْلُ وَالْغُلاَمُ نَائِمٌ إلَى جَنْب الشَّيْخِ، فَدَعَاهُ: يَا اشْمُويْلُ، إذْهَبْ إلَى قَوْمِكَ فَبَلِّغْهُمْ رِسَالَةَ رَبكَ، فَإنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَكَ فِيْهِمْ. فَلَمَّا أتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُواْ: إنْ كُنْتَ صَادِقاً فَابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلُ فِي سَبِيْلِ اللهِ).

وإنَّما سألوا الملكَ لأنَّهم علموا أنَّ كلمتَهم لا تتفقُ وأمورَهم لا تنتظمُ، ولا يحصلُ منهم الاجتماع على القتالِ إلا بمَلِكِ يحملُهم على ذلك ويجمع شَملَهم، فكان الملكُ هو الذي يجمع أمرهم والنبيُّ يشيرُ عليه ويرشدهُ ويأتيه من ربه بالخبرِ.

السابقالتالي
2