الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ }؛ قال ابنُ عباس: (وَذَلِكَ أنَّ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ بَنِي إسْرَائِيْلَ أُمِرَ بالْخُرُوجِ إلَى قِتَال عَدُوِّهِمْ؛ فَخَرَجُوا لِلْقِتَالِ ثُمَّ جَبنُواْ وَكَرِهُواْ الْقِتَالَ، فَقَالُواْ لِمَلِكِهِمْ: إنَّ الأَرْضَ الَّتِي تُرِيْدُهَا فِيْهَا الْوَبَاءُ فَلاَ تَأْتِهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْهَا الْوَبَاءُ، فَقَالَ لَهُمْ اللهُ: مُوتُواْ).

واختلفُوا في عددِهم؛ فقال مقاتلُ والكلبي: (كَانُوا ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ). وقال أبو رَوْقٍ: (عَشَرَةَ آلاَفٍ). وقال أبو مالكٍ: (ثَلاَثُونَ ألْفاً). وقال السديُّ: (بضْعَةٌ وَثَلاَثُونَ ألْفاً). وقال ابنُ جُريج: (أرْبَعُونَ ألْفاً) وقال عطاءُ بن أبي رَبَاح: (تِسْعُونَ ألْفاً). وقال الضحَّاكُ: (كَانُواْ عَدَداً كَثِيْراً). فَقَوْلُهُ تَعَالَى: { أُلُوفٌ } دليلٌ على كَثرتِهم؛ إذ لو كانوا كما قالَ مقاتل والكلبيُّ لقالَ: وهم آلافٌ؛ لأن مِن عشرةِ آلاف إلى ما دونِها يقالُ فيها: آلافٌ، ولا يُقالُ فيها: أُلوفٌ؛ لأن الألوفَ جمعُ الكثيرِ. والآلافُ جمعُ القليلِ.

فمكثوا موتَى ثمانيةَ أيامٍ حتى انتفخوا وبلغَ بني إسرائيل موتُ أصحابهم، فخرجوا إليهم ليدفنُوهم، فعجزوا عنهم مِن كثرتِهم، فحَظَرُوا عليهم الحظائِرَ، ثم أحياهُم اللهُ تعالى بعد ثَمانيةِ أيَّامٍ، فبقي فيهم من ريحِ النَّتَنِ التي كانت فيهم بعد الموتَ حتى بقيَ في أولادهم إلى اليومِ.

وقال السُّدِّيُّ: (وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي بَنِي إسْرَائِيْلَ، فَخَرَجَ قَوْمٌ مِنْهُمْ هَاربيْنَ مِنْ دِيَارهِمْ حَتَّى انْتَهَواْ إلَى مَكَانٍ فَمَاتُواْ وَتَفَرَّقَتْ عِظامُهُمْ وَتَقَطَّعَتْ أوْصَالُهُمْ، فَأَتَى عَلَيْهِمْ مُدَّةٌ وَقَدْ بَلِِيَتْ أجْسَادُهُمْ، فَمَرَّ بهِمْ نَبيٌّ يُقَالُ لَهُ حِزْقِيْلُ ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي إسْرَائِيْلَ بَعْدَ مُوسَى عليه السلام؛ لأنَّهُ كَانَ بَعْدَ مُوسَى يُوشُعُ بْنُ نُونٍ، ثُمَّ كَالِبُ بْنُ يوفنا، ثُمَّ حِزْقِيْلُ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْعَجُوز، وَذَلِكَ أنَّ أُمَّهُ كَانَتْ عَجُوزاً فَسَأَلَتِ اللهَ تَعَالَى الْوَلَدَ وَقَدْ كَبُرَتْ وَعَقُمَتْ، فَوَهَبَهُ اللهُ تَعَالَى لَهَا؛ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ ابْنَ الْعَجُوز).

وقال الحسنُ ومقاتل: (هُوَ ذُو الْكَفْلِ، وإنَّمَا سُمِّيَ حِزْقِيْلُ ذَا الْكَفْلِ؛ لأنَّهُ تَكَفَّلَ بسَبْعِيْنَ نَبيّاً وَأنْجَاهُمْ مِنَ الْقَتْلِ، فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُواْ فَإنِّي إنْ قُتِلْتُ كَانَ خَيْراً مِنْ أنْ تُقْتَلُواْ جَمِيْعاً، فَلَمَّا جَاءَ الْيَهُودُ وَسَأَلُواْ حِزْقِيْلَ عَنِ الأَنْبِيَاءِ السَّبْعِيْنَ، فَقَالَ لَهُمْ: ذَهَبُواْ وَلَمْ أدْر أيْنَ هُمْ. وَحَفِظَ اللهُ ذَا الْكَفْلِ مِنَ الْيَهُودِ. فَلَمَّا مَرَّ حِزْقِيْلُ عَلَى أُوْلَئِكَ الْمَوْتَى وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَجَعَلْ يُفَكِّرُ فِيْهِمْ مُتَعَجِّباً، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الْقَادِر عَلَى أنْ يُحْيِي هَذِهِ الأَجْسَادَ، فَأَوْحَى اللهُ إلَيْهِ: يَا حِزْقِيْلُ، أتُرِيْدُ أنْ أُريَكَ كَيْفَ أُحْيي الْمَوْتَى؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: لَهُ: نَادِهِمْ، فَنَادَى: أيُّهَا الْعِظَامُ، ثُمَّ قَالَ: ألاَ أيُّتُهَا الأَجْسَادُ الْبَالِيَةُ، إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُنَّ أنْ تَكْتَسِيْنَ لَحْماً، فَجَعَلَ اللَّحْمُ يَجْْرِي عَلَيْهِنَّ حَتَّى صِرْنَ أجْسَاداً مِنَ اللُّحُومِ، ثُمَّ قَالَ: ألاَّ أيَّتُهَا الأَجْسَادُ الْبَالِيَةُ الْخَاويَةُ، إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُنَّ أنْ تَقُمْنَ بإذْنِ اللهِ، فَقَامُواْ.

السابقالتالي
2 3