الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ }؛ أي والمطلقاتُ اللاَّتِي لهن أولادٌ من أزواجهن المطلِّقين ولدنَهم قبلَ الطلاقِ أو بعده؛ وقوله: { يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } لفظهُ لفظ الخبرِ ومعناه: الأمرُ، كأنه قال: لِتُرْضِعِ الوالداتُ أولادَهنَّ، كما قال تعالى:وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } [البقرة: 228] يدلُّ على ذلك أنه لو كانَ قوله: { يُرْضِعْنَ } خبراً لَمَا وُجِدَ مُخْبَرُهُ على خلاف ما أخبرَ الله به؛ فلما كان من الوالداتَ مَن لا ترضعُ؛ عُلِمَ أنه لَمْ يرد به الخبرَ؛ فكان هذا محمولاً في حالِ قيام النكاح على الأوامرِ الواجبة من طريقِ الدين لا من جهة الحكم؛ فإنَّها إذا امتنعت من الإرضاعِ لم يكنْ للزوجِ أن يُجْبرَهَا على ذلك من حيثُ الحكمُ، وإن أرضعتْ لم تستحقَّ نفقة الرضاع مع بقاءِ الزوجية، ولا يجتمعُ لها نفقتان.

وفي الآيةِ إثباتُ حقِّ الرضاعِ للأم، وبيانُ مدة الرضاعِ للمستحق على الولد، فإنَّ الولد لو امتنع من الإرضاع في الحولين أُجبر عليه كما قَالَ تعالى في آيةِ المطلقات:فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الطلاق: 6] وقالَ:وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } [الطلاق: 6].

فإن قيلَ: كيفَ قال الله تعالى: { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } والحَوْلان لا يكونان إلا كاملينِ؟ قيل: لإزالة الإبْهام؛ فإنَّ الإنسان قد يقولُ: أقمتُ عند فلانٍ سنتين؛ إذا كان قريباً مِن سنتين، وسِرْتُ شهراً؛ إذا كان قريباً من شهرٍ، فبيَّن اللهُ تعالى أنَّهما حَولانِ كاملان: أربعةٌ وعشرون شهراً من يومِ يولدُ إلى أنْ يُفطمَ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } أي لِمن أرادَ من الآباء أن يُتِمَّ الرضاعةَ المفروضة عليهِ؛ أي هذا منتهى الرضاعةِ وليس فيما دون ذلك وقت محدودٌ، وإنما هو على مقدار إصلاح الصبيِّ وما يعيشُ به.

قرأ أبو رجاء: (الرِّضَاعَةُ) بكسرِ الراء؛ قال الخليلُ: (وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الْوَكَالَةِ وَالْوِكَالَةِ؛ وَالدَّلاَلَةِ والدِّلاَلَةِ). وقرأ مجاهدُ: (لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضْعَةَ) وهي فَعْلَةُ كالْمَرَّةِ الواحدة، وقرأ عكرمة: (لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةُ) على الفاعلِ. وقرأ ابنُ عباس: (لِمَنْ أرَادَ أنْ يُكْمِلَ الرَّضَاعَةَ).

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا }؛ معناهُ: وعلى الأب نفقتُهن وكسوتُهن كما يُعْرَفُ أنه العدلُ، يكون ذلك أجرةً لَهن على الرضاع إذا كانَ إرضاعُ الولد بعد الفراقِ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } أي لا يُجبر الأب على النفقةِ والكسوة إلا مقدارَ طاقته، والتكليفُ هو الإلزامُ، قال الضحَّاك: (هَذَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمُزَوَّجَاتِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَابَلَ هَذِهِ النَّفَقَةَ بالإرْضَاعِ، وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ لاَ تَجِبُ بالإرْضَاعِ وَإنَّمَا تَجِبُ بسَبَب الزَّوْجِيَّةِ).

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ }؛ قرأ ابنُ كثير وأبو عمروٍ ويعقوبُ وسلامُ برفع الراء مشدَّدةً على الخبرِ مَنْسُوقاً على قوله: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ } وأصلهُ: (لا تضاررُ) فأُدغمت الراءُ في الراءِ.

السابقالتالي
2 3