الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى }؛ قال ابنُ عباس: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار يُقَالُ لَهُ: أبُو الدَّحْدَاحَةِ، أتَى إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَيْفَ نَصْنَعُ بالنِّسَاءِ إذَا حِضْنَ؛ هَلْ نَقْرَبُهُنَّ أوْ لاَ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ). فلما نزلت هذه الآيةُ عَمِدَ المسلمون إلى النساءِ الْحِيَّضِ فأخرجوهن من البيوت كما كانت الأعاجمُ تفعلُ بنسائهم إذا حِضْنَ، وإذا فرغن واغتسلنَ ردُّوهن إلى البيوتِ، فقَدِمَ ناسٌ من الأعراب المدينةَ، فشَكَوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَزْلَ النساءِ عنهم، وقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ البردَ شديدٌ والثيابَ قليلةٌ وقد عزَلنا النساءَ، فإن آثَرْنَاهُنَّ بالثياب هَلَكَ أهلُ البيت برداً، وإذا آثَرْنَا أهلَ البيت هلكَ النساءُ الحِيَّضُ، وليس كلنا يَجِدُ وسعة فيوسعُ عليهم جميعاً، فقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّما أُمِرْتُمْ أنْ تَعْتَزِلُواْ مُجَامَعَتَهُنَّ إذَا حِضْنَ، وَلَمْ تُؤْمَرُواْ أنْ تُخْرِجُوهُنَّ مِنَ الْبُيُوتِ " وقرأ عليهمُ الآيةََ.

وقال بعضُهم: كانت العربُ في الجاهلية إذا حاضَت المرأَةُ، لَم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يُساكنُوها في بيت، ولم يجالسُوها على فراشِ كفعل اليهود والمجوسِ، فسألَ أبو الدَّحْدَاحِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلكَ، وقال: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ بالْحِيَّضِ؟ فأنزل الله هذه الآية.

ووجهُ اتصالِ هذه الآية بما قبلها آية أخرى فيما تقدَّم " من " حديث نكاحِ من تحرمُ ومَن تحلُّ، فبيَّن الله بعده حالَ التحليلِ والتحريم بهذه الآية.

وقال ابنُ عباس: (مَا رَأيْتُ قَوْماً كَانُوا خَيْراً مِنْ أصْحَاب رَسُُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ مَا سَأَلُوهُ إلاَّ عَنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةٍ حَتَّى قُبضَ، كُلُّهُنَّ فِي الْقُرْآنِ:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 217]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ } [البقرة: 215]وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } [البقرة: 219]يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [البقرة: 189]يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [البقرة: 220] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } [الأعراف: 187]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } [البقرة: 186]يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } [الأنفال: 1]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [الإسراء: 85]وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } [الكهف: 83]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [طه: 105]).

ومعنى الآية: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } أي الدم مستقذر نجسٌ، وقال الكلبيُّ: (الأَذَى مَا يَعُمُّ وَيُكْرَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍٍ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ }؛ أي اعتزلوا مجامعتَهن وهن حيَّض، { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ }؛ أي ولا تجامعوهنَّ حتى ينقطعَ عنهن الدمُ. عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ وَطِئَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَأَصَابَهُ جُذَامٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ؛ وَمَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أو الأَرْبعَاءِ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ ".

فوطئُ النساءِ الْحِيَّضِ حرامٌ بنص القرآن، فإن وطأَها زوجها أثِمَ ولزمتهُ الكفارة، روي عنِ ابن عباس:

السابقالتالي
2 3