الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ }؛ قال ابنُ عباسٍ في سبب نزولِ هذه الآية: " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ ابْنَ عَمَّتِهِ عَبْدَاللهِ بنَ جَحْشٍ قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَهُوَ أمِيْرُهُمْ، كَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كِتَاباً، وَقَالَ لَهُ: " إذ نَزَلْتَ مَنْزِلَتَيْنِ، فَافْتَحِ الْكِتَابَ وَاقْرَأهُ عَلَى أصْحَابكَ، ثُمَّ امْضِ لِمَا أمَرْتُكَ بهِ، وَلاَ تُكْرِهْ أحَداً مِنْ أصْحَابكَ عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ ".

فَسَارَ عَبْدُاللهِ حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلَتَيْنِ، ثُمَّ فَتَحَ الْكِتَابَ فَإذَا فِيْهِ: " بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أمَّا بَعْدُ: فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ بمَنِ اتَّبَعَكَ مِنْ أصْحَابكَ حَتَّى تَنْزْلَ بَطْنَ نَخْلَةَ، فَتَرْصُدَ بهَا عِيرَ قُرَيْشٍ، لَعَلَّكَ تَأْتِيْنَا مِنْهُمْ بخَبَرٍ. وَالسَّلاَمُ. ". فَقَالََ عَبْدُاللهِ: سَمْعاً وَطَاعَةً لأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ مَعَهُ حَتَّى وَصَلُواْ بَطْنَ نَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ فَنَزَلُواْ هُنَاكَ.

فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ مَرَّ بهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي عِيْرِ لِقُرَيْشٍ فِي أوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبَ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَظُنُّونَ أنَّهَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الأُخْرَى، فَأَمَرَ عَبْدُاللهِ أنْ يَحْلِقُواْ رَأسَ عُكَاشَةَ لِيُشْرِفَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَيَظُنُّواْ أنَّهُمْ عُمَّارٌ فَيَأْمَنُواْ. فَفَعَلَ ذلِكَ وَأمِنَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالَوُاْ: قَوْمٌ عُمَّارٌ لاَ بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهَُمْ.

وَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِاللهِ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ بَعْضَ الْمُشْرِكِيْنَ، وَهَرَبَ بَعْضُهُمْ إلَى مَكَّةَ، وَاسْتَاقَ الْمُسْلِمُونَ الْعِيْرَ، فَعَيَّرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بذَلِكَ وَقَالَواْ: اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، شَهْراً يَأْمَنْ فِيْهِ الْخَائِفُ وَيُطْلَقُ فِيْهِ الأَسِيرُ. وَوَقَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أمْرِ الْغَنِيْمَةِ "

، فَأَنْزَلَ اللهُ تََعَالَى هَذِهِ الآيَةِ). ويقال: لَمَّا أمرَ الله المسلمين بالقتال، ظنُّوا عمومَ الأمر في جميع الشهور، فسألُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرفوا، فنَزلت هذه الآيةُ. والقولُ الأول أقربُ إلى ظاهرِ القرآن.

ومعنى الآيةِ: { يَسْأَلُونَكَ } عن قتالٍ في { ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } لأن قوله: { قِتَالٍ فِيهِ } بدلٌ الاشتمال عن الشهرِ الحرام، وقَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } أي القتالُ في الشهر الحرام عظيمُ الذنب عند اللهِ تعالى، ثم استأنفَ الكلام فقال: { وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي منعُ الناسِ عن الكعبة أن يأتوها ويطوفوا بها { وَكُفْرٌ بِهِ } أي وكفرٌ بالله تعالى، ويقال: بالحجِّ، أو كفرٌ بالمسجد الحرام.

وَقِيْلَ: فيه تقديمٌ وتأخير، تقديرهُ: وصدٌّ عن سبيل الله وعن المسجدِ الحرام وكفرٌ بالله وإخراج أهل المسجدِ الحرام منه أعظمُ عقوبة عند الله من القتال في الشهرِ الحرام، أي الكفارُ مع هذا الإحرام أولَى بالعنتِ ممن قَتل مشركاً في الشهر الحرام كما قالَ تعالى: { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ }؛ أي الشركُ بالله أعظم عقوبةً وإثماً من القتالِ.

السابقالتالي
2 3