الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ }؛ أي أظننتُم أيها المؤمنون أنْ تدخلوا الجنةَ ولم تصبكم صِفَةُ الذين مُحِنُوا من قبلكم؛ أي ولم تُبْتَلُواْ كما ابْتُلِيَ الذين من قبلكم، { مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ } أي الشدَّةُ وهي القتلُ، { وَٱلضَّرَّآءُ } والبلاءُ والفقرُ والمرض. وقيل: البأساء: نقيضُ النعماءِ، والضرَّاء: نقيض السرَّاء.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ }؛ أي حُرِّكُوا وخوِّفوا { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي جاهدوا حتى قال كلُّ رسولٍ بُعِثَ إلى أمته: متى فتحُ الله؟ يقول الله تعالى: { أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }؛ يعني ألا إنَّ نصرَ الله لك ولأُمتكَ يا محمدُ قريبٌ عاجلٌ كما نَصَرْتُ الرسلَ قبلك، والمثلُ قد يُذكر بمعنى الصفةِ كما قال الله تعالى:مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } [الرعد: 35] أي صفةُ الجنة، ذهب السديُّ إلى أن هذه الآيةَ نزلت بالمدينةِ يوم الخندق حين اشتدَّت مخافةُ المؤمنين من العدوِّ.

ووجهُ إيصال هذه الآية بما قبلها: أنَّ الله تعالى قالَ فيما تقدَّم:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } [البقرة: 208] ثم قالَ:فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 213]. وكان المسلمون اتَّكَلُواْ على مجرَّد اهتدائهم، فبيَّن اللهُ في هذه الآية أنه لا يجوزُ الاتِّكالُ على مجرَّدِ الإيمان من غير مُكَابَدَةِ ما قَاسَاهُ السلفُ من المؤمنين كما قالَ تعالى:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2].

وأما القراءةُ في قوله تعالى: { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ } من نصبَ فعلَى الأصلِ؛ لأن { حَتَّىٰ } تنصبُ الفعل. ومن قرأ بالرفعِ أدخلَ (حتى) على جملةِ ما بعده لا على الفعلِ خاصة؛ كأنه قالَ: حتى الرسولُ يقولُ، فلا يظهرُ عمل (حتى). قال الشاعرُ:
فَيَا عَجَبَا حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي   كَانَ أبَاهَا نَهْشَلٌ أوْ مُجَاشِعُ