الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً }؛ قال ابنُ عباس: (مَعْنَاهُ: كَانَ النَّاسُ أهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ: كُفَّاراً كُلَّهُمْ فِي ابْتِدَاءِ عَهْدِ نُوحٍ عليه السلام وَكَذَلِكَ فِي عَهْدِ إبْرَاهِيْمَ) يعني أنَّ أممَ الأنبياء عليهم السلامُ الذين بُعِثَ إليهم الأنبياءُ كانت كفاراً كما كانت هذه الأمةُ. وجائزٌ أن يقال: كانت أمةً واحدة على الكفر وإن كان فيهم مسلمونَ؛ إذا كان المسلمون قليلين مقهورينَ في البقية؛ لانصراف اسم الأمةِ على الأعمِّ الأكثرِ. وقال قتادةُ والضحاك: { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } أي كانوا مؤمنين في زمن آدم عليه السلام وبعد وفاته إلى مبعث نوح عليه السلام، وكان بين آدم ونوح عشرةَ قرون كلهم على شريعةٍ واحدةٍ من الحقِّ والهدى. قم اختلفوا في زمنِ نوح عليه السلام فبعثَ الله إليهم نوحاً وكان أوَّلَ نبيٍّ بُعِثَ، ثم بُعِثَ بعده النبيونَ. وقال الكلبيُّ: (هُمْ أهْلُ سَفِيْنَةِ نُوحٍ، كَانُوا كُلُّهُمْ مُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ اخْتَلَفُواْ بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ، فَبَعَثَ اللهُ إلَيْهِمْ نَبيَّهُ هُودُ عليه السلام).

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }؛ أي مبشِّرين لمن أطاعَ الله تعالى بالجنةِ، ومنذرينَ بالنار والسَّخَطِ لِمن عصاهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ }؛ أي وأنزلَ عليهم الكتاب؛ إذِ الأنبياءُ صلوات الله عليهم لم يكونوا منذرينَ حتى ينْزل الكتابُ معهم، وقوله: { بِٱلْحَقِّ } أي بالعدلِ.

وقولهُ: { لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ }؛ أي ليقضيَ الكتابُ بينهم بالحكمَة، وأضافَ الحكمَ إلى الكتاب وإنْ كان اللهُ تعالى هو الذي يحكمُ على جهةِ التفخيم لأمرِ الكتاب. وقولهُ: { فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي من أمرِ الدين.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ }؛ أي ولم يختلفْ في أمرِ الدين وبعثِِ النبيين إلا الذين أُعطوا الكتاب من بعدِ ما جاءتْهُم الدلالاتُ الواضحات من اللهِ. وقوله: { بَغْياً بَيْنَهُمْ } نُصِبَ على أنه مفعولٌ له؛ أي لم يختلفوا إلا للبغيِ والحسدِ والتفرُّق؛ وذلك أنَّ أهلَ الكتاب كانوا عَلِمُوا حقيقةَ أمرِ النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم قبل مَبْعَثِهِ، فلما بعثهُ اللهُ كفروا به إلا قليلاً منهم.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ }؛ أي فأرشدَ اللهُ المؤمنين { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } الذي اختلفَ فيه أهلُ الزَّيْغِ، { بِإِذْنِهِ } أي بتوفيقهِ وقضائه وعلمهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }؛ أي واللهُ يُوَفِّقُ لِمعرفته من يشاءُ ممن كان أهلاً لذلك إلى طريقِ واضح يرضاهُ الله تعالى.

والأُمَّةُ في اللغة على وجوهٍ؛ منها الجماعةُ كقوله تعالى:وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } [القصص: 23] وقوله:أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ } [الأعراف: 38] أي جماعاتٍ وقرون. ومنها الدينُ والملة كقوله تعالى:

السابقالتالي
2