الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }؛ أي إذا أعرضَ عنك الأخنسُ يا محمدُ وفارقكَ أسرعَ مشياً في الأرض لِيَعْصِيَ فيها ويضُرَّ المؤمنين، وليهلِكَ ما قدرَ عليه من زرعٍ ونسلٍ، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي لا يرضَى المعاصي.

روي: أنَّ الأخنسَ خرج من عندِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بزرعٍ فأحرقهُ؛ وبحمارٍ فعقرهُ؛ فنَزلت هذه الآية بما فيها من الوعيدِ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، وصارت عامةً في جميع المفسدين. وقيل: معنى الآية: { لِيُفْسِدَ فِيِهَا } أي ليوقعَ الفتنةَ بين الناس فيشتغلُوا عن الزراعةِ وعن أعمالهم، فيكونُ في ذلك هلاكُ الحرثِ والنسل. وقيل: يُخيف الناسَ حتى يَهربُوا من شَرِّهِ، فيخرِّبُ الضِّياعَ وينقطعُ نسلُ الناسِ والدواب.

وفي هذه الآية تحذيرٌ من الاغترار بظاهر القولِ وما يبديه الرجلُ من حَلاوة المنطقِ، وأمْرٌ بالاحتياطِ في أمرِ الدين والدنيا حتى لا يُقْتَصَرَ على ظاهرِ أمر الإنسانِ خُصوصاً فيمَن هو ألَدُّ الْخِصَامِ؛ ومَن ظهرت منه دلائلُ الريبة. ولهذا قالوا: إنَّ علينا استبراءَ حالِ من نراه في الظاهرِ أهلاً للقضاء والشهادةِ والفتيا والأمانةِ، وأن لا يُقْبَلَ منهم ظاهرُهم حتى يُسألَ عنهم ويُبحثَ عن أمرهم، إذ قد حذَّرَ اللهُ تعالى أمثالَهم في توليتهم على أمور المسلمين؛ ألا ترى أنه عقَّبه بقوله: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } فيحتمل أن يكونَ المرادُ بالتولِّي: أن يتولَّى أمراً من أُمور المسلمين؛ فأعلمَ اللهُ بهذه الآيةِ أنه لا يجوزُ الاقتصار على الظاهرِ دونَ الاحتياط والاستبراءِ.