الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } معناهُ: إنَّ الذين يسألونَ الله تعالى الدنيا والآخرة لهم حظٌّ ونصيب وافرٌ من الثواب والخيرِ والجزاء اكتسبوهُ في حجِّهم؛ وفي هذا بيانُ استجابة دعائهم على القطعِ.

وعن ابنِ عباس في هذه الآية: " أنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أبي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: " أرَأيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أبيْكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ، أمَا كَانَ ذَلِكَ يُجْزِي؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَدِيْنُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى " ، قَالَ: فَهَلْ لِي مِنْ أجْرٍ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ }. يعني مَن حجَّ عن ميتٍ كان الأجرُ بينه وبين الميتِ ".

وقال سعيدُ بن جبير: جَاءَ رََجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنِّي أكْرَيْتُ دَابَّتِي وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِمْ أنْ أحُجَّ، فَهَلْ يُجْزِيْنِي ذَلِِكَ؟ قَالَ: (أنْتَ مِنَ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ } ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يعني إذا حاسبَ فحسابهُ سريعٌ لا يحتاج إلى عقدِ يدٍ ولا إلى وعيِ صدرٍ ولا رؤية ولا فكرٍ. وقال الحسنُ: (أسْرَعُ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ). وفي الخبرِ: " أنَّ اللهَ تعالى يحاسبُ العبادَ في قدر حَلْب شاة؛ وأن محاسبةَ الله تعالى ليست كمحاسبة الناسِ بعضهم لبعضٍ، يحاسبهم جميعاً في لحظةٍ واحدة، يظنُّ كُلُّ واحد أنه يحاسبهُ خاصةً، لا يشغله شيءٌ عن شيء " ومعنى الحساب: تعريفُ اللهِ تعالى عبادَه مقادير الخير على أعمالهم، وتذكيرهُ إياهم بما قد نَسَوْهُ. يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى:يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة: 6]. وقيل: معناهُ سريع الحساب؛ أي سريع الْمُجَازَاةِ، وفيه إخبارٌ عن سرعةِ فناء الدنيا وقيامِ الساعة.