الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ }؛ في هذه الآيةِ تقديرُ حذفِ مبتدأ تقديره: مدَّةُ الحجِّ أشهرٌ معلومات. ويقال: الحجُّ في أشهرٍ معلومات. وقوله:غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } [سبأ: 12] أي مدَّة غدوِّها ومدة رواحِها.

واختلفوا في هذه الأشهُرِ: فقال ابنُ عباس وأكثرُ المفسِّرين: (إنَّهَا شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ). وأما مَن قالَ: إنَّها شوالُ وذو القعدة وذو الحجة، فليسَ باختلافٍ لأن المرادَ بعضُ ذي الحجة؛ لأن الحجَّ كله لا محالةَ في بعضِ هذهِ الأشهرِ لا في جميعها. ويجوزُ إضافتهُ إلى جميعِ هذه الأشهرِ وإنْ كان هو في بعضِها؛ ألا ترى إنكَ تقولُ: لقيتُ فلاناً سنةَ كذا، وقمتُ يوم كذا؛ بمعنى بعضِ المدة.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ }؛ أي من أوجبَ فيهنَّ الحجَّ بالتلبيةِ أو ما يقومُ مقامَها من ذِكر أو سَوق الهديِ فلا يرفثُ ولا يفسقُ، وهذا لفظُ خبرٍ بمعنى النهي؛ كما أنَّ قَوْلَهُ:يَتَرَبَّصْنَ } [البقرة: 228] ويُرْضِعْنَ } [البقرة: 233] خبرَان لفظاً؛ وأمرَانِ معنًى.

والرَّفَثُ: قال ابنُ عبَّاس: (هُوَ مُرَاجَعَةُ النِّسَاءِ بذِكْرِ الْجِمَاعِ). والفُسُوقُ: قال ابنُ عمر: (هُوَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ فِي الإحْرَامِ). واختارَ بعضُهم هذا القول؛ وقالوا: لو كان المرادُ به جميعَ المعاصي لكان لا يُخَصُّ بالنهيِ عنها حالةَ الإحرام.

وقال ابنُ عبَّاس وجماعةٌ من المفسِّرين: (الْمُرَادُ بها جَمِيْعَ الْمَعَاصِي). وفائدةُ تخصيص حالته هذه بالنهي فهو تعظيمُ حُرمة هذه العبادة؛ كما يقال: لا تَغْتَبْ في صومِك؛ وكما قال صلى الله عليه وسلم: " إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ؛ فَلاَ يَرْفَثْ؛ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإنْ جُهِلَ عَلَيْهِ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } قال بعضُهم: الْجِدَالُ: أن تُجَادِلَ صاحبَكَ حتى تُغْضِبَهُ أوْ يُغْضِبَكَ. وَقِيْلَ: كانت قريشُ تقفُ بالمزدلفة؛ وكانت اليمنُ وربيعةُ تقفُ بعرفةَ خارجَ الْحَرَمِ؛ وَكان كلُّ فريقٍ منهم يجادلُ صاحبَهُ في الموقف؛ فنَزلت هذه الآيةُ.

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ }؛ أي ما تَفْعَلُوا من أسباب الحجِّ وتركِ الرَّفَثِ والفسوقِ والجدالِ يعلمهُ الله؛ أي يقبلهُ منكم فيجزيكم عليه، واللهُ تعالى عالِمٌ من دون أنْ يفعلوا، ولكن المرادَ به يعلمهُ الله مَفْعُولاً؛ وكان مَن قبله يعلمهُ غيرَ مفعولٍ. وأرادَ الله بهذا الحثِّ على فعلِ الخيرِ ودلَّ به على العدلِ؛ إذ بيَّن أنه لا يجازي العبدَ على ما يعلمهُ منه، وإنَّما يجازيه على ما يقعُ منه.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ }؛ أي تَزَوَّدُوا في سَفَرِ الحجِّ والعمرة ما تَكُفّونَ به وجوهَكم عن المسألةِ. نزلت في قومٍ كانوا يخرُجون بأهاليهم بغيرِ زادٍ ويَتَّكِلُونَ على الناسِ؛ ويسمُّون أنفسهم المتَوَكِّلةَ، يقولون: نَحُجُّ بيتَ ربنا واللهُ رازقُنا.

السابقالتالي
2