الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ }؛ قرأ حمزة وحفص: (لَيْسَ الْبرَّ) بالنصب، ووجهُ ذلك: أنهما جعلا (أنْ) وصلتهما في موضع الرفع على اسم ليس، تقديره: ليس توليتكم وجوهكم البرَّ، كقولهِ تعالى:فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } [الحشر: 17]. وقرأ الباقون بالرفع على أنه اسمُ (لَيْسَ).

واختلفَ المفسرون في هذه الآية: فقال قومٌ: أراد بها اليهودَ والنصارى قبل المشرق، وزعمَ كل فريقٍ منهم أن البرَّ في ذلك، فأخبرَ الله تعالى أن البرَّ غيرُ دينهم وعملهم، وعلى هذا القول قتادةُ والربيع ومقاتل.

وقيل: لَمَّا حُوِّلَتِ القبلةُ إلى الكعبة كَثُرَ الخوضُ في أمر القبلة، فتوجَّهت. النصارى نحوَ المشرق، واليهود يصلونَ قِبل المغرب إلى بيت المقدس، واتخذوهُما قبلةً وزعموا أنه البرُّ، فأكذبَهم اللهُ تعالى بهذا وبيَّن أن البر في طاعته واتباعِ أمره، وأن البرَّ يتمُّ بالإيْمان. وقيل: معناهُ: ليس البرُّ كلهُ في الصَّلاة فقط، { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } ، الذي يؤدِّي للثواب، { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ، والإقرار بالملائكة أنَّهم عبادُ الله ورسله؛ لا كما قال بعض الكفار: أنَّ الملائكة بناتُ الله. والإقرار بالنبييِّن كلهم.

فإنْ قيلَ لَهم: جعل (مَنْ) خبرَ (الْبرَّ) و(مَنْ) اسمٌ و(الْبرَّ) فعلٌ، وهم لا يُجبَرُونَ: (الْبرَّ) زيْدَ. قيل: معناهُ عند بعضهم: ولكنَّ البرَّ الإيْمانُ بالله، والعربُ تجعل الاسم خبراً للفعل كقولهم: البرُّ الصادقُ الذي يصلُ رحِمه ويخفي صدقتهُ، يريدون صلةَ الرحمِ وإخفاءَ الصدقةِ، فيكون (مَنْ) في موضعِ الْمَصْدَر كأنه قال: ولكن البرَّ مَن آمن بالله والْبرُّ برُّ مَن آمَنَ بالله، كما يقال: الْجُودُ من حاتمٍ؛ والشجاعةُ من عنترٍ؛ أي الجود جودُ حاتم، والشجاعة شجاعة عنتر، ومثله قَوْلُهُ تَعَالَى:وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]

أي أهلَ القريةِ.مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: 28]؛ أي كخَلقِ نفسٍ. وقال أبو عُبيدة: (مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ باللهِ، كَقَوْلِهِ:وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [طه: 132] أيْ لِلْمُتَّقِي). وقيل: معناهُ: ولكن ذا البرَّ مَن آمنَ بالله، كقوله:هُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 163] هم ذو درجاتٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ }؛ أي مَن آمنَ بالله والملائكةِ كلهم والكتاب يعني الكتبَ، والنبيينَ أجمع.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ }؛ اختلفوا في الهاء الذي في (حُبهِ)؛ فقال أكثرُ المفسرين: الهاءُ في (حُبهِ) راجعٌ إلى المال؛ يعني إعطاءَ المال في صحتهِ ومحبتهِ إياهُ وصلته به، وهو صحيحٌ يخشى الفقر ويأملُ الغنى، ولا يهمل حتى إذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ فيقول: لفلانٍ كذا أو لفلان كذا. أو قيل: هي عائدةٌ إلى الله؛ أي على حب الله تعالى. وقيل: على حب الأنبياء.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ }؛ أي أهل القربَى؛ قال صلى الله عليه وسلم: " أفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذَوي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ "

السابقالتالي
2