الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }؛ قال الكلبيُّ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي كُفَّار مَكَّةَ، قَالُواْ: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا وَانْسِبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ سُورَةَ الإخْلاَصِ وَهَذِهِ الآيَةَ). وقال الضَّحاكُ: عن ابنِ عباس: (كَانَ لِلْمُشْرِكِيْنَ فِي الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمَائَةٍ وَسُتُّونَ صَنَماً يَعْبُدُونَهُم مِنْ دُونِ اللهِ إفْكاً وَإثْماً، فَدَعَاهُمُ اللهُ إلَى تَوْحِيْدِهِ وَالإخْلاَصِ فِي عِبَادَتِهِ، فَقَالَ: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }. ويقال: نزلت هذه الآية في صنف من المجوس؛ ويقال لهم: الملَكَانية؛ يقولون: هما اثنان: خالقُ الخيرِ، وخالق الشر.

ومعنى الآية: أن الذي يستحق أن تَأْلَهَ قلوبكم إليه في المنافع والمضار وفي جميع حوائجكم وفي التعظيم له إله واحد لا يستحق الإلهية أحد غيره. فلما نزلت هذه الآية عجِبَ المشركون وقالوا: إن محمداً يقول: إن إلهكم إلهٌ واحدٌ، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين. فأنزل الله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ }؛ أي في تعاقب الليل والنهار؛ وفي الذهاب والمجيء.

والاختلاف مأخوذٌ من خَلَفَ يَخْلُفُ بمعنى أن كل واحد منها يخلف صاحبه وإذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلافه؛ أي بعده. نظيره قَوْلُهُ تَعَالَى:وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } [الفرقان: 62]. وقال عطاء: (أرَادَ اخْتِلاَفَ اللَّيلِ وَالنَّهَار فِي اللَّوْنِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالنُّور وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ). والليل: جمعُ لَيلَةٍ مثل نخلة ونخلٌ؛ والليالي جمعُ الجمعِ. والنهار واحدٌ وجمعه نُهُرٌ. وقدَّم الليل على النهار؛ لأنه هو الأصل والأقدم. قَالَ اللهُ تَعَالَى:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37].

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ } يعني السَّفَنُ، واحده وجمعه سواءٌ، قال الله تعالى في واحده:وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41] وقال في جمعه:حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22]. ويذكَّر ويؤنث قال الله تعالى في التذكير:ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41] وقال في التأنيث: { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ }. قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } يعني ركوبَها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وأنواع المطالب.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ }؛ يعني المطر، { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }؛ أي بعد يبسها وجذوبتها، { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ }؛ أي نشرَ وفرقَ من كل دابة من أجناس مختلفة، منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع، { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ }؛ أي تقليبها دبوراً وشمالاً وجنوباً وصبا. وقيل: تصريفها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب.

وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (وَتَصْرِيْفِ الرِّيْحِ) بغير ألف على الواحد. وقرأ الباقون: (الرِّيَاحِ) على الجمع. قال ابن عباس: (الرِّيَاحُ لِلرَّحْمَةِ؛ وَالرِّيحُ لِلْعَذَابِ)، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا هاجَتِ الريحُ يقول:

السابقالتالي
2