قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }؛ قال الكلبيُّ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي كُفَّار مَكَّةَ، قَالُواْ: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا وَانْسِبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ سُورَةَ الإخْلاَصِ وَهَذِهِ الآيَةَ). وقال الضَّحاكُ: عن ابنِ عباس: (كَانَ لِلْمُشْرِكِيْنَ فِي الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمَائَةٍ وَسُتُّونَ صَنَماً يَعْبُدُونَهُم مِنْ دُونِ اللهِ إفْكاً وَإثْماً، فَدَعَاهُمُ اللهُ إلَى تَوْحِيْدِهِ وَالإخْلاَصِ فِي عِبَادَتِهِ، فَقَالَ: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }. ويقال: نزلت هذه الآية في صنف من المجوس؛ ويقال لهم: الملَكَانية؛ يقولون: هما اثنان: خالقُ الخيرِ، وخالق الشر. ومعنى الآية: أن الذي يستحق أن تَأْلَهَ قلوبكم إليه في المنافع والمضار وفي جميع حوائجكم وفي التعظيم له إله واحد لا يستحق الإلهية أحد غيره. فلما نزلت هذه الآية عجِبَ المشركون وقالوا: إن محمداً يقول: إن إلهكم إلهٌ واحدٌ، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين. فأنزل الله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ }؛ أي في تعاقب الليل والنهار؛ وفي الذهاب والمجيء. والاختلاف مأخوذٌ من خَلَفَ يَخْلُفُ بمعنى أن كل واحد منها يخلف صاحبه وإذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلافه؛ أي بعده. نظيره قَوْلُهُ تَعَالَى:{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } [الفرقان: 62]. وقال عطاء: (أرَادَ اخْتِلاَفَ اللَّيلِ وَالنَّهَار فِي اللَّوْنِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالنُّور وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ). والليل: جمعُ لَيلَةٍ مثل نخلة ونخلٌ؛ والليالي جمعُ الجمعِ. والنهار واحدٌ وجمعه نُهُرٌ. وقدَّم الليل على النهار؛ لأنه هو الأصل والأقدم. قَالَ اللهُ تَعَالَى:{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ } يعني السَّفَنُ، واحده وجمعه سواءٌ، قال الله تعالى في واحده:{ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41] وقال في جمعه:{ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22]. ويذكَّر ويؤنث قال الله تعالى في التذكير:{ ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41] وقال في التأنيث: { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ }. قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } يعني ركوبَها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وأنواع المطالب. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ }؛ يعني المطر، { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }؛ أي بعد يبسها وجذوبتها، { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ }؛ أي نشرَ وفرقَ من كل دابة من أجناس مختلفة، منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع، { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ }؛ أي تقليبها دبوراً وشمالاً وجنوباً وصبا. وقيل: تصريفها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (وَتَصْرِيْفِ الرِّيْحِ) بغير ألف على الواحد. وقرأ الباقون: (الرِّيَاحِ) على الجمع. قال ابن عباس: (الرِّيَاحُ لِلرَّحْمَةِ؛ وَالرِّيحُ لِلْعَذَابِ)، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا هاجَتِ الريحُ يقول: