الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ }؛ أي ولَنَخْتَبرَنَّكُمْ يا أُمةَ مُحَمَّدٍ بشيء من الخوف؛ يعني خوفَ العدوِّ والفزع في القتال؛ وقحط السنين وقلة ذات اليد؛ { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ }؛ أي هلاك المواشي وذهاب الأموال. وقوله تعالى: { وَٱلأَنفُسِ }؛ أراد به الموت والقتل والأمراض، وقولهُ تعالى: { وَٱلثَّمَرَاتِ }؛ أي لا يخرجُ الثمار والزروع كما كانت تخرج من قبل؛ أو تصيبها آفة؛ وأراد بالثمراتِ الأولادَ لأنَّهم ثمرة القلب وهم إذا هم شُغِلُوا بالجهاد منعهم ذلك عن عمارة البساتين ومناكحةِ النساء؛ فيقلُّ أولادهم وثمرة بساتينهم.

وقالَ بعضُهم: معناه { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } أي خوف الله تعالى، { وَٱلْجُوعِ } يعني صوم رمضان؛ { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ } أداء الزكاة الصدقات؛ { وَٱلأَنفُسِ } الأمراض؛ { وَٱلثَّمَرَاتِ } موت الأولاد؛ لأن ولد الرجل ثمرة فؤاده؛ يدل عليه قوله عَلَيْهِ السَّلاَمُ: " إذا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْمَلاَئِكَةِ: أقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فِيَقُولُ: أقَبَضْتُمُ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمَدَكَ وَاسْتَرْجَعَكَ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ }؛ أي على هذه الشدائدِ والبلايا بالثواب لتطيبَ أنفسهم. ثم وصفَهم فقال: { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }؛ { ٱلَّذِينَ } نعتُ للصابرين؛ ومعناهُ: الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ من هذه المصائب؛ { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } عبيدٌ وملكٌ يحكمُ فينا بما يشاء من الشدة والرخاء، إن عِشنا فإليه أرزاقُنا، وإن مِتْنا فإليه مردُّنا، وإنا إليه راجعون في الآخرة.

قال عكرمةُ: " طُفِئ سِرَاجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَال: " إنَّا للهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ " فَقِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أمُصِيْبَةٌ هِيَ، قَالَ: " نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ فَهُوَ لَهُ مُصِيْبَةٌ " " وقال ابنُ جبيرٍ: (مَا أُعْطِيَ أحَدٌ فِي الْمُصِِيْبَةِ مَا أُعْطِيَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ - يعني الاستراجاعَ - وَلَوْ أُعْطِيَهَا أحَدٌ لأُعْطِيَهَا يَعْقُوبُ عليه السلام، ألاَ تَسْمَعُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي فَقْدِ يُوسُفَ:يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [يوسف: 84]). وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَنِ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ الْمُصِيْبَةِ جَبَرَ اللهُ مُصِيْبَتَهُ وَأحْسَنَ عُقْبَاهُ، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفاً صَالِحاً يَرْضَا ".