الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ }؛ متصلٌ بما قبله؛ أي كما أنعمنا عليكم برسالة رجلٍ؛ أي منكم إليكم فاذكرونِي. ومعنى الآية: قال ابنُ عبَّاس: (تَذْكُرُونِي بالطَّاعَةِ أذْكُرْكُمْ بمَعُونَتِي). وقال ابن جُبير: (مَعْنَاهُ اذْكُرُونِي بطَاعَتِكُمْ أذْكُرُكُمْ بمَغْفِرَتِي). وقال الفضيلُ: (اذْكُرُونِي بطَاعَتِي أذْكُرْكُمْ بثَوَابي).

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَنْ أطَاعَ اللهَ فَقَدْ ذَكَرَ اللهَ، وَإنْ قَلَّ صِيَامُهُ وَصَلاَتُهُ. وَمَنْ عَصَى اللهَ فَقَدْ نَسِيَ اللهَ وَإنْ كَثُرَ صِيَامُهُ وَصَلاَتُهُ وَتِلاَوَتُهُ الْقُرْآنَ " وقيل: معناه اذكروني بالتوحيد والإيمان أذكركم بالدرجات والجِنان. وقال أبو بكر رضي الله عنه: (كَفَى بالتَّوْحِيْدِ عِبَادَةً، وَكَفَى بالْجَنَّةِ ثَوَاباً). وقال ابنُ كيسان: (مَعْنَاهُ اذْكُرُونِي بالشُّكْرِ أذْكُرُكُمْ بالزِّيَادَةِ). وقيل: اذكروني على ظاهر الأرض أذكركم في بطنها.

وقال الأصمعي: (رأيت أعرابياً واقفاً يوم عرفة بعرفات وهو يقول: إلَهي عَجَّتْ إِلَيْكَ الأَصْوَاتُ بضُرُوب اللُّغَاتِ يَسْأَلُونَكَ الْحَاجَاتِ، وَحَاجَتِي إلَيْكَ أنْ تَذْكُرَنِي عِنْدَ الْبَلاَءِ إذا نَسِيَنِي أهْلُ الدُّنْيَا). وقيل: معناهُ: اذكروني في الدنيا أذكركم في العقبى. وقيل: اذكروني بالطاعات أذكركم بالمعافاة، دليله قَوْلُهُ تَعَالَى:مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97].

وقيل: معناه اذكروني في الخلاء والملأ أذكركم في الخلاء والملأ. بيانه: ما روي في الخبر: أن الله تعالى قال في بعض الكتب: " أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، فَلْيَظُنَّ بي عَبْدِي مَا شَاءَ؛ فَأَنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي، فَمَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَمَنْ ذَْكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ؛ وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وَمَنْ أتَانِي مَشْياً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ أَتَانِي بقِرَابِ الأَرْضِ خَطِيْئَةً أتَيْتُهُ بمِثْلِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أنْ لاَ يُشْرِكَ بي شَيْئاً ".

وقيل: معناه اذكروني في الرخاء أذكركم في الشدة والبلاء. وقيل: اذكروني بالسلم والتفويض أذكركم بأصلح الاختيار دليله قَوْلُهُ تَعَالَى:وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق: 3]. وقيل: اذكروني بالشوق والمحبة أذكركم بالوصل والقربة. وقيل: اذكروني بالتوبة أذكركم بغفران الحوبة. وقيل: اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء. وقيل: اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال. اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة، اذكروني بالندم أذكركم بالكرم، اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة، اذكروني بالإرادة أذكركم بالإفادة، اذكروني بالإخلاص أذكركم بالخلاص، اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب، اذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان، اذكروني ذكراً فانياً أذكركم ذكراً باقياً، اذكروني بصفاء السرِّ أذكركم بخلاص البرِّ، اذكروني بالصفو أذكركم بالعفو، اذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم، اذكروني بالمناجاة أذكركم بالنجاة، اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء، اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بإتمام النعمة، اذكروني بالاستغفار أذكركم بالاغتفار، اذكروني بالمناجاة أذكركم بإعطاء الحاجات، اذكروني بالاعتراف أذكركم بمحو الاقتراف، ولذكر الله أكبر.

قال سفيان بن عُيَيْنَةَ: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَال: " لَقدْ أعْطَيْتُ عِبَادِي مَا لَوْ أعْطَيْتُ جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ قَدْ أجْزَلْتُ لَهُمَا، قُلْتُ: اذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ. قُلْتُ لِمُوسَى: قُلْ لِلظَّلَمَةِ لاَ يَذْكُرُونِي؛ فَإنِّي أذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي وَإنَّ ذِكْرِي إيَّاهُمْ أنْ ألْعَنَهُمْ " وقال أبو عثمان الهندي: (إنِّي لأَعْلَمُ حِيْنَ يَذْكُرُنِي رَبِي)، قِيْلَ: كَيْفَ ذلِكَ؟ قَالَ: (إنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } فَإذا ذكَرْتُ اللهَ ذَكَرَنِي).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }؛ أي اشكروا لي نعم الدنيا والدين ولا تكفروا نعمتي وإحساني إليكم.